نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 279
ويعجبني في هذا المقام قول فضيلة أستاذنا المرحوم الشيخ محمد عبد اللَّه دراز : ( يجب أن يفهم - أن تعديل الشريعة المتأخرة للمتقدمة - ليس نقضا لها ، وإنما وقوفا بها عند وقتها المناسب وأجلها المقدر . مثل ذلك كمثل ثلاثة من الأطباء جاء أحدهم إلى الطفل في الطور الأول من حياته ، فقصر غذاءه على اللبن ، وجاء الثاني من مرحلته التالية فقرر له طعاما لينا ، وطعاما نشويا خفيفا ، وجاء الثالث في المرحلة التي بعدها فأمر له بغذاء قوى كامل . لا ريب أن هاهنا اعترافا ضمنيا من كل واحد منهم بأن صاحبه كان موفقا كل التوفيق في علاج الحالة التي عرضت عليه ، نعم إن هناك قواعد صحية عامة في النظافة والتهوية والتدفئة ونحوها ، لا تختلف باختلاف الأسنان فهذه لا تعديل فيها ولا تبديل ، ولا يختلف فيها طب الأطفال والناشئين عن طب الكهول الناضجين . هكذا الشرائع السماوية ، كلها صدق وعدل في جملتها وتفصيلها ، وكلها يصدق بعضها بعضا من ألفها إلى يائها ، ولكن هذا التصديق على ضربين . تصديق للقديم مع الإذن ببقائه واستمراره ، وتصديق له مع إبقائه في حدود ظروفه الماضية ، ذلك أن التشريعات السماوية تحتوى على نوعين من التشريعات . ( تشريعات خالدة ) لا تتبدل بتبديل الأصقاع والأوضاع ( كالوصايا التسع ونحوها ) . و ( تشريعات موقوتة ) بآجال طويلة أو قصيرة ، فهذه تنتهي بانتهاء وقتها . وتجيء الشريعة التالية بما هو أوفق بالأوضاع الناشئة الطارئة . فشريعة التوراة - مثلا - عنيت بوضع المبادئ الأولية لقانون السلوك ( لا تقتل ) . ( لا تسرق ) فطابعها البارز تحديد الحقوق وطلب العدل والمساواة . وشريعة الإنجيل تجيء بعدها فتقرر هذه الأمور ، ثم تترقى فتزيد آدابا مكملة ( أحسن إلى من أساء إليك ) . وأخيرا تجيء شريعة القرآن فتراها تقرر كلا المبدأين في نسق واحد إِنَّ اللَّه يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإِحْسانِ . هكذا كانت الشرائع السماوية خطوات متصاعدة ، ولبنات متراكمة في بنيان الدين والأخلاق وسياسة المجتمع . وكانت مهمة اللبنة الأخيرة منها أن أكملت البنيان وملأت ما بقي فيه من فراغ وأنها في الوقت نفسه كانت بمثابة حجر الزاوية الذي يمسك أركان البناء . وصدق رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم حين صور الرسالات السماوية في جملتها أحسن تصوير فقال : « مثلي
279
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 279