نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 266
وجملة * ( قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) * مستأنفة لبيان ما من اللَّه به على إبراهيم من الكرامة ورفعة المقام ، بعد أن ذكر - سبحانه - أنه عامله معاملة المختبر له ، إذ كلفه بأمور شاقة فأحسن القيام بها . جاعلك : من جعل بمعنى صير . والإمام : القدوة الذي يؤتم به في أقواله وأفعاله . والمراد بالإمامة هنا : الرسالة والنبوة ، فإنهما أكمل أنواع الإمامة ، والرسول أكمل أفراد هذا النوع ، وقد كان إبراهيم - عليه السلام - رسولا يقتدى به الناس في أصول الدين ومكارم الأخلاق . وقال : * ( إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) * ولم يقل : « إنى جاعلك للناس رسولا ، ليكون ذلك دالا على أن رسالته تنفع الأمة المرسل إليها بطريق التبليغ ، وتنفع غيرهم من الأمم بطريق الاقتداء ، فان إبراهيم - عليه السلام - قد رحل إلى آفاق كثيرة ، فانتقل من بلاد الكلدان إلى العراق ، وإلى الشام ، وإلى الحجاز ، وإلى مصر وكان في جميع منازله أسوة حسنة لغيره . وقد مدح القرآن إبراهيم في كثير من آياته ، ومن ذلك قوله تعالى : ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً . وجملة * ( قالَ ومِنْ ذُرِّيَّتِي ) * واقعة موقع الجواب عما من شأنه أن يخطر في نفس السامع ، فكأنه قال : وماذا كان من إبراهيم عند ما تلقى من ربه تلك البشارة العظمى ؟ فكان الجواب أن إبراهيم قد التمس الإمامة لبعض ذريته أيضا . أى : قال إبراهيم : واجعل يا رب من ذريتي أئمة يقتدى بهم . وقد رد اللَّه - تعالى - على قول إبراهيم بقوله : * ( قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) * . وإنما قال إبراهيم ومن ذريتي ولم يقل وذريتي ، لأنه يعلم أن حكمة اللَّه من هذا العالم لم تجر بأن يكون جميع نسل أحد ممن يصلحون لأن يقتدى بهم فلم يسأل ما هو غير مألوف عادة ، لأن سؤال ذلك ليس من آداب الدعاء . أى : قال اللَّه لإبراهيم : قد أجبتك وعاهدتك بأن أحسن إلى ذريتك لكن لا يصيب عهدي الذي عهدته إليك بالإمامة الذين ظلموا منهم ، فالعهد هنا بمعنى الإمامة المشار إليها في قوله : * ( جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ) * . وفي هذه الجملة الكريمة إيجاز بديع ، إذ المراد منها إجابة طلب إبراهيم من الإنعام على بعض ذريته بالإمامة كما قال - تعالى - : وجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِه النُّبُوَّةَ والْكِتابَ ولكنها تدل صراحة على أن الظالمين من ذريته ليسوا
266
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 266