نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 200
واستمروا على كفرهم بغيا وحسدا وحبا في الرياسة وتعصبا لجنسيتهم لما كانوا كذلك ، صار اختيارهم للكفر على الإيمان ، بمنزلة اختيار صاحب السلعة ثمنها على سلعته ، فكأنهم بذلوا أنفسهم التي كان باستطاعتهم الانتفاع بإيمانها ، وقبضوا الكفر عوضا عنها فأنفسهم بمنزلة السلعة المبيعة وكفرهم بمنزلة ثمنها المقبوض ، فبئس هذا الثمن الذي أوردهم العذاب الأليم . وعبر - سبحانه - عن كفرهم بصيغة المضارع * ( أَنْ يَكْفُرُوا ) * وعن بيعهم لأنفسهم بالماضي ، * ( اشْتَرَوْا ) * للدلالة على أنهم صرحوا بكفرهم بالقرآن الكريم من قبل نزول الآية ، وإن بيعهم أنفسهم بالكفر طبيعة فيهم مستقرة منذ وقت بعيد ، وأنهم ما زالوا مستمرين على تلك الطبيعة المنحرفة . وقوله تعالى : * ( بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّه مِنْ فَضْلِه عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِه ) * ، تعليل لكفرهم وبيان للباعث عليه ، أى كفروا بما أنزل اللَّه على عبده ورسوله محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بدافع من البغي والحقد ، وكراهة أن ينزل اللَّه الوحى من فضله على من يشاء من عباده ، فالبغي هنا مصدر بغى يبغى إذا ظلم . والمراد به ظلم خاص هو الحسد ، وإنما عد الحسد ظلما ، لأن الظلم معناه المعاملة التي تبعد عن الحق وتجافيه . والحسد معناه تمنى زوال النعمة عن الغير والظالم والحاسد قد جانب كل منهما الحق فيما صنع ، والحاسد لن يناله نفع من زوال نعمة المحسود ، كما أنه لن يناله ضر من بقائها ، وما دام الأمر كذلك فالحاسد ظالم للمحسود بتمني زوال النعمة وصدق الشاعر في قوله . وأظلم خلق اللَّه من بات حاسدا - لمن بات في نعمائه يتقلب - . فاليهود قد كفروا بما أنزل اللَّه ، من أجل حسدهم للنبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم على النبوة ولأنه لم يكن منهم وكان من العرب ، وكراهية لأن ينزل اللَّه الوحى على من يصطفيه للرسالة من غيرهم ، فعدم إيمانهم بما عرفوه وارتقبوه سببه أنانيتهم البغيضة ، وأثرتهم الذميمة التي حملتهم على أن يحسدوا الناس على ما آتاهم اللَّه من فضله ، وأن يتوهموا أن النبوة مقصورة عليهم ، فليس للَّه - تعالى - في زعمهم - أن ينزعها من ذرية إسحاق ليجعلها في ذرية إسماعيل عليهما السلام - . ولم يصرح - سبحانه - بأن المحسود هو النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لعلم ذلك من سياق الآيات الكريمة وللتنبيه على أن الحسد في ذاته مذموم كيفما كان حال المحسود . ثم بين - سبحانه - بعد ذلك ما آل إليه أمرهم من خسران مبين فقال تعالى : * ( فَباؤُ بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ ولِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ ) * : باء بإثمه يبوء أى : رجع أى : فرجعوا من أجل كفرهم وحسدهم للنبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بغضب مضموم إلى غضب آخر كانوا قد استحقوه بسبب كفرهم بعيسى - عليه السلام - وبسبب تحريفهم للكلم عن مواضعه ،
200
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 200