responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 130


موقفهم منها - كما هي عادتهم - موقف الجاحد لنعم اللَّه فقد امتدت أيديهم الأثيمة إليها فحرفوها كما شاءت لهم أهواؤهم وشهواتهم ولقد وبخهم القرآن الكريم على ذلك ، وشبههم في تركهم العمل بها وعدم انتفاعهم بما فيها ، بالحمار الذي يحمل كتب العلم ولكنه لا يدرى ما فيها .
فقال تعالى في سورة الجمعة : مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً . بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّه . واللَّه لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ « 1 » .
حملوا التوراة : أى علموها وكلفوا العمل بها ، ثم لم يحملوها : أى : لم يعملوا بها ولم ينتفعوا بما اشتملت عليه . والأسفار : جمع سفر وهو الكتاب الكبير ، لأنه يسفر عن المعنى إذا قرئ .
ومعنى الآية الكريمة : مثل هؤلاء اليهود الذين علموا التوراة وكلفوا العمل بأحكامها ولكنهم لم يعملوا بها ، مثلهم كمثل الحمار يحمل الكتب ولكنه لا يدرى ما فيها ، ولا يناله من حملها إلا التعب ، بئس مثلا مثل هؤلاء اليهود الذين كذبوا بآيات اللَّه التي تشهد بصدق النبي صلَّى اللَّه عليه وسلم ، وتذر صفاته التي لا تنطبق إلا عليه ، وقد جرت سنة اللَّه - تعالى - في خلقه ألا يهدى إلى طريق الحق أمثال هؤلاء القوم الظالمين ، لأنهم استحبوا العمى على الهدى ، وباعوا دينهم بدنياهم .
قال صاحب الكشاف : « شبه اللَّه - تعالى - اليهود في أنهم حملة التوراة وقراؤها ، وحفاظ ما فيها ثم إنهم غير عاملين بها ، ولا منتفعين بآياتها وذلك أن فيها نعت رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلم والبشارة به ، ولم يؤمنوا به - شبههم بالحمار يحمل أسفارا ، أى : كتبا كبارا من كتب العلم ، فهو يمشى بها ولا يدرى منها إلا ما يمر بجنبيه وظهره من الكد والتعب ، وكل من علم ولم يعمل ، فهذا مثله وبئس المثل » « 2 » .
وقال الإمام ابن القيم : « شبه اللَّه - تعالى - من حما كتابه ليؤمن به ويتدبره ويعمل به ويدعو إليه ، ثم خالف ذلك ، ولم يحمله إلا على ظهر قلب ، فقراءته بغير تدبر ولا تفهم ولا اتباع له ، ولا تحكيم لنصوصه - شبهه - بحمار على ظهره زاملة أسفار لا يدرى ما فيها ، وحظه منها حملها على ظهره ليس إلا ، فحظه من كتاب اللَّه كحظ هذا الحمار من الكتب التي على ظهره ، فهذا المثل ، وإن كان قد ضرب لليهود ، فهو متناول من حيث المعنى ، لمن حمل القرآن فترك العمل به ولم يؤد حقه ، ولم يرعه حق رعايته » « 3 » .


( 1 ) الآية 5 . ( 2 ) تفسير الكشاف ج 3 ص 175 . ( 3 ) أعلام الموقعين لابن القيم ( نقلا عن تفسير القاسمى ) ج 16 ص 85 .

130

نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 130
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست