نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 96
وقدم الوصف بالعلم على الوصف بالحكمة ، ليكون وصفه بالعلم متصلا بنفيهم عن أنفسهم في قولهم : * ( لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا ) * . وبعد أن بين القرآن أن الملائكة قد اعترفوا بالعجز عن معرفة ما سئلوا عنه ، وجه - سبحانه - الخطاب إلى آدم ، يأمره فيه بأن يخبر الملائكة بالأسماء التي سئلوا عنها ، ولم يكونوا على علم بها ، فقال - تعالى - : * ( قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ والأَرْضِ وأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) * . ففي هذه الآية الكريمة أخبرنا اللَّه - تعالى - أنه قد أذن لآدم في أن يخبر الملائكة بالأسماء التي فاتتهم معرفتها ليظهر لهم فضل آدم ، ويزدادوا اطمئنانا إلى أن إسناد الخلافة إليه ، إنما هو تدبير قائم على حكمة بالغة . وعلم الغيب يختص به واجب الوجود - سبحانه - لأنه هو الذي يعلم المغيبات بذاته ، وأما العلم بشيء من المغيبات الحاصل من تعليم اللَّه فلا يقال لصاحبه إنه يعلم الغيب . وقوله - تعالى - * ( أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ . . . ) * إلخ الآية ، استحضار وتأكيد لمعنى قوله قبل ذلك ، * ( إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ ) * . وإعادة له على وجه من التفصيل أفاد أن علمه يشمل ما يظهرونه بأقوالهم أو أفعالهم ، وما يضمرونه في أنفسهم . وفي قوله : * ( أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ . . . ) * إلخ تعريض بمعاتبتهم على ترك الأولى ، حيث بادروا بالسؤال عن الحكمة ، وكان الأولى أن يأخذوا بالأدب المناسب لمقام الألوهية ، فيتركوا السؤال عنها إلى أن يستبين لهم أمرها بوجه من وجوه العلم . ومن الفوائد التي تؤخذ من هذه الآيات ، أن اللَّه - تعالى - قد أظهر فيها فضل آدم - عليه السلام - من جهة أن علمه مستمد من تعليم اللَّه له ، فإن إمداد اللَّه له بالعلم يدل على أنه محاط منه برعاية ضافية ، ثم إن العلم الذي يحصل عن طريق النظر والفكر قد يعتريه الخلل ، ويحوم حوله الخطأ . فيقع صاحبه في الإفساد من حيث إنه يريد الإصلاح ، بخلاف العلم الذي يتلقاه الإنسان من تعليم اللَّه ، فإنه علم مطابق للواقع قطعا ، ولا يخشى من صاحبه أن يحيد عن سبيل الإصلاح ، وصاحب هذا العلم هو الذي يصلح للخلافة في الأرض ، ومن هنا ، كانت السياسة الشرعية أرشد من كل سياسة ، والأحكام النازلة من السماء أعدل من القوانين الناشئة في الأرض . وبعد أن بين القرآن في الآيات السابقة بعض الكرامات التي خص اللَّه بها آدم ، انتقل إلى
96
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 96