نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 95
فصحاء العرب تغليب الكامل على الناقص ، فإذا اشتركا في نحو الجمع أو التثنية أتى بالجمع أو التثنية على ما يطلق حال الكامل منهما . والأمر في قوله : * ( أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ ) * ، ليس من قبيل الأوامر التي يقصد بها التكليف ، أى : طلب الإتيان بالمأمور به ، وإنما هو وارد على جهة إفحام المخاطب بالحجة . والمعنى : أن اللَّه - تعالى - ألهم آدم معرفة ذوات الأشياء التي خلقها في الجنة ، ومعرفة أسمائها ومنافعها ، ثم عرض هذه المسميات على الملائكة . فقال لهم على سبيل التعجيز : * ( أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ) * فيما اختلج في خواطركم من أنى لا أخلق خلقا إلا وأنتم أعلم منه وأفضل . قال ابن جرير : « وفي هذه الآيات العبرة لمن اعتبر والذكرى لمن ذكر ، والبيان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، عما أودع اللَّه في هذا القرآن من لطائف الحكم التي تعجز عن أوصافها الألسن ، وذلك أن اللَّه - تعالى - احتج فيها لنبيه صلَّى اللَّه عليه وسلم على من كان بين ظهرانيه من يهود بنى إسرائيل ، بإطلاعه إياه من علوم الغيب التي لم يكن - تعالى - أطلع عليها من خلقه إلا خاصا ، ولم يكن مدركا علمه إلا بالإنباء والإخبار ليقرر عندهم صدق نبوته ، ويعلموا أن ما أتاهم به إنما هو من عند اللَّه » . ثم حكى - سبحانه - ما كان من الملائكة فقال : * ( قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) * . سبحان : اسم مصدر بمعنى التسبيح أى التنزيه ، وهو منصوب بفعل مضمر لا يكاد يستعمل معه . وهذه الآية الكريمة واقعة موقع الجواب عن سؤال يخطر في ذهن السامع للجملة السابقة ، إذ الشأن أن يقال عند سماعهم قوله - تعالى - : * ( أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ ) * ، ماذا كان من الملائكة ؟ هل أنبأوا بأسماء المسميات المعروضة عليهم ؟ فقال - تعالى - : * ( قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا ) * إلخ الآية . ولو قال الملائكة : لا علم لنا بأسماء هذه المسميات لكان جوابهم على قدر السؤال ، ولكنهم قصدوا الاعتراف بالعجز عن معرفة أسماء تلك المسميات المعروضة على أبلغ وجه فنفوا عن أنفسهم أن يعلموا شيئا غير ما يعلمهم اللَّه ، ودخل في ضمن هذا النفي العام الاعتراف بالقصور عن معرفة الأسماء المسئول عنها . ومعنى * ( إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) * أى : أنت يا ربنا العليم بكل شيء ، الحكيم في خلقك وأمرك وفي تعليمك ما تشاء ومنعك ما تشاء ، لك الحكمة في ذلك ، والعدل التام .
95
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 95