نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 614
إن الكلمات لتعجز عن تصوير ما يصيب هذا البائس من غم وهم وحزن وحسرة ، وهو يرى جنته قد احترقت وهو في أشد أوقاته حاجة إلى ظلها وثمارها ومنافعها ! ؟ ولكأن اللَّه - تعالى - يقول للناس بعد هذا التصوير البديع المؤثر : احذروا أن تبطلوا أعمالكم الصالحة بارتكابكم لما نهى اللَّه عنه ، فلا تجدون لها نفعا يوم القيامة وأنتم في أشد الحاجة إليها في هذا اليوم العصيب ، لأنكم إذا فعلتم ذلك كان مثلكم في التحسر والحزن كمثل هذا الشيخ الكبير الذي احترقت جنته وهو في أشد الحاجة إليها . وإنه لتصوير قرآنى في أسمى درجات البلاغة والتأثير ، وفي أعلى ألوان التأديب والتهذيب . قال القرطبي : روى البخاري عن عبيد بن عمير قال : قال عمر بن الخطاب - رضي اللَّه عنه - يوما لأصحاب النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فيم ترون هذه الآية نزلت وهي قوله - تعالى - : * ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَه جَنَّةٌ ) * الآية . قالوا اللَّه أعلم . فغضب عمر فقال : قولوا نعلم أو لا نعلم فقال ابن عباس : في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين . قال عمر : يا ابن أخى قل ولا تحقر نفسك . قال ابن عباس : ضربت مثلا لرجل غنى عمل بطاعة اللَّه . ثم بعث اللَّه له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أحرق عمله . وروى ابن أبى مليكه أن عمر تلا هذه الآية وقال : هذا مثل ضربه اللَّه للإنسان يعمل عملا صالحا حتى إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه عمل العمل السيئ » « 1 » . ثم ختم - سبحانه - هذه الآية بقوله : * ( كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّه لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ) * أى : كما يبين اللَّه في هذه الآية ما يهديكم وينفعكم يبين لكم آياته وهداياته في سائر أمور دينكم لكي تتفكروا فيما يصلحكم ، وتعملوا ما يرضى خالقكم . ثم وجه القرآن بعد ذلك نداء إلى المؤمنين أمرهم فيه بأن يتحروا في نفقتهم الحلال الطيب ، بعد أن حضهم على الإنفاق بسخاء وإخلاص . فقال - تعالى - :
( 1 ) تفسير القرطبي ج 2 ص 218 .
614
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 614