نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 573
أحدهما : أنه إذا صب الشيء في الشيء فقد أثبت فيه بحيث لا يزول عنه وهذا يدل على التأكيد . والثاني : أن إفراغ الإناء هو إخلاؤه وذلك يكون بصب كل ما فيه ، فمعنى أفرغ علينا صبرا ، أى أصبب علينا أتم صب وأبلغه - حتى تتحقق فينا صفة الصبر كأحسن ما يكون التحقق » « 1 » . أما الدعوة الثانية فقد قالوا فيها - كما حكى القرآن عنهم - * ( وثَبِّتْ أَقْدامَنا ) * أى هب لنا من كمال القوة والرسوخ عند القتال ما يجعلنا نثبت أمام أعدائنا ، ونتمكن من رقابهم دون أن يتمكنوا منا . فهذا الدعاء كناية عن أن يمنحهم - سبحانه - الثبات عند الزحف ، وعدم الفرار عند القتال . وفي قوله : * ( وثَبِّتْ أَقْدامَنا ) * تعبير بالجزء عن الكل ، لأن الأقدام هي التي يكون بها الفرار ، فتثبيتها إبعاد عن الفرار ، ومتى حصل الثبات كان النصر متوقعا ، والصبر متحققا . ثم ختموا دعاءهم بأن قالوا : * ( وانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ ) * أى اجعل الغلبة لنا عليهم ، لأننا مؤمنون بأنك المعبود المستحق للعبادة وهم يكفرون بذلك . والمتأمل في هذه الدعوات الثلاث يراها قد جمعت أسمى ألوان الأدب وحسن الترتيب ، فهم قد صدروا دعاءهم بالتوسل بوصف الربوبية فقالوا * ( رَبَّنا ) * أى يا خالقنا ويا منشئنا ويا مربينا ويا مميتنا ، وفي ذلك إشعار أنهم يلجئون إلى من بيده وحده النفع والضر ، والنصر والهزيمة . ثم افتتحوا دعاءهم بطلب الصبر عند المخاوف لأنه هو عدة القتال الأولى ، وركنه الأعلى ، إذ به يكون ضبط النفس فلا تفزع ، وبه يسكن القلب فلا يجزع . ثم التمسوا منه - سبحانه - أن يثبت أقدامهم عند اللقاء لأن هذا الثبات هو مظهر الصبر ، ووسيلة النصر ، وعنوان القوة . ثم ختموا دعاءهم بما هو ثمرة ونتيجة للصبر والثبات وهو النصر على الأعداء . فماذا كانت نتيجة هذا الدعاء الخاشع الخالص ؟ كانت نتيجته النصر المؤزر الذي حكاه القرآن في قوله : * ( فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّه ) * . وأصل الهزم في اللغة الكسر . ومنه سقاء منهزم أى انثنى بعضه على بعض مع الجفاف . ويقال للسحاب هزيم ، لأنه يتشقق بالمطر . والفاء هنا فصيحة أو سببية أى أنهم بسبب دعائهم المخلص ، وإيمانهم القوى ، واستجابتهم لما أمرهم اللَّه به ، استطاعوا أن يكسروا أعداءهم
( 1 ) تفسير الفخر الرازي ج 6 صفحة 199 .
573
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 573