نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 468
ولم يتعرض - سبحانه - هنا لبقية المحتاجين كالسائلين والغارمين إما اكتفاء بذكرهم في مواضع أخرى ، وإما بناء على دخولهم تحت عموم قوله - تعالى - : في آخر الآية * ( وما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّه بِه عَلِيمٌ ) * فإنه شامل لكل خير واقع في أى مصرف كان . قال الجمل و « ذا » اسم موصول بمعنى الذي والعائد محذوف ، و « ما » على أصلها من الاستفهام ولذلك لم يعمل فيها يسألونك ، وهي مبتدأ وذا خبره ، والجملة محلها النصب بيسألون . والمعنى يسألونك أى الشيء الذي ينفقونه » « 1 » . وقوله : * ( وما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّه بِه عَلِيمٌ ) * تذييل قصد به الحض على فعل الخير ، لأن المؤمن عند ما يشعر بأن اللَّه يرى عمله ويجازيه عليه بما يستحقه ، يشجعه ذلك على الاستمرار في عمل الخير . وإذا كان بعضنا يكثر من عمل الخير عند ما يعلم أن شخصا ذا جاه يسره هذا العمل ، فكيف يكون الحال عند ما يعلم المؤمن التقى أن الذي يرى عمله ويكافئه عليه هو اللَّه الذي لا تخفى عليه خافية ، والذي يعطى من يشاء بغير حساب . قال بعض العلماء : وقد اختلف في هذه الآية . فقيل إنها منسوخة بآية الزكاة وهي قوله - تعالى - : إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ . . . وقيل - وهو الأولى - إنها غير منسوخة ، وهي لبيان صدقة التطوع فإنه متى أمكن الجمع فلا نسخ » « 2 » . وقوله : * ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وهُوَ كُرْه لَكُمْ ) * حض لهم على بذل النفس في سبيل إعلاء كلمة اللَّه ، بعد أن حضهم في الآية السابقة على بذل المال . والكره - بضم الكاف - بمعنى الكراهية بدليل قوله - تعالى - : * ( وعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً . . ) * أى أن القتال لشدة ويلاته ، وما فيه من إزهاق الأرواح كأنه الكراهة نفسها فهو من وضع المصدر موضع اسم المفعول مبالغة ، وقرئ وهو كره لكم - بفتح الكاف - فيكون فيه معنى الإكراه ، لأن الكره بالفتح ما أكرهت عليه . وقيل هما لغتان بمعنى واحد وهو الكراهية . ويرى كثير من المفسرين أن القتال إنما كان مكروها للنفوس لما فيه من التعرض للجراح وقطع الأطراف ، وإزهاق الأرواح والإنسان ميال بطبعه إلى الحياة ، وأيضا لما فيه من إخراج المال ومفارقة الوطن والأهل ، والحيلولة بين المقاتل وبين طمأنينته ونومه وطعامه ، فهو مهما يكن أمره فيه ويلات وشدائد ، ومشقات تتلوها مشقات ، ولكن كون القتال مكروها للنفوس لا ينافي الإيمان ولا يعنى أن المسلمين كرهوا فرضيته ، لأن امتثال الأمر قد يتضمن مشقة ، ولكن إذا
( 1 ) حاشية الجمل ج 1 ص 170 . ( 2 ) تفسير آيات الأحكام ج 1 ص 114 لفضيلة الأستاذ محمد على السائس .
468
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 468