نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 441
والصفة الثانية من صفات هذا النوع المنافق من الناس بينه القرآن بقوله * ( ويُشْهِدُ اللَّه عَلى ما فِي قَلْبِه ) * أى : يقرن معسول قوله ، وظاهر تودده ، بإشهاد اللَّه على أن ما في قلبه مطابق لما يجرى على لسانه . وكأن هذا النوع المنافق قد رأى من الناس تشككا في قوله ، لأن من عادة المنافقين أن يبدو من فلتات لسانهم ما يدل على ما هو مخبوء في نفوسهم فأخذ يوثق قوله بالأيمان الباطلة بأن يقول لمن ارتاب فيه : اللَّه يشهد أنى صادق فيما أقول . . إلى غير ذلك من الأقوال التي يقصد بها تأكيد قوله وصدقه فيما يدعيه ، فالمراد بإشهاد اللَّه : الحلف به أن ما في قلبه موافق لقوله . وجملة * ( ويُشْهِدُ اللَّه ) * حالية أو مستأنفة أو معطوفة على قوله * ( يُعْجِبُكَ ) * . وقوله - تعالى - : * ( وهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ ) * صفة ثالثة من صفات هذا النوع من الناس . قال القرطبي : الألد : الشديد الخصومة والعداوة . . ولددته - بفتح الدال - ألده - بضمها - إذا جادلته فغلبته . والألد مشتق من اللديدين وهما صفحتا العنق ، أى : في أى جانب أخذ من الخصومة غلب . والخصام في الآية مصدر خاصم . وقيل جمع خصم كصعب وصعاب . والمعنى ، أشد المخاصمين خصومة ، وفي صحيح مسلَّم عن عائشة قالت : قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم « إن أبغض الرجال إلى اللَّه الألد الخصم » « 1 » . أى : إن هذا النوع من الناس يثير الإعجاب بحسن بيانه ، ويضللهم بحلاوة لسانه ، ويحلف بالأيمان المغلظة أنه لا يقول إلا الصدق ، ويجادل عما يقوله بالباطل بقوة وعنف ومغالبة ، فهو بعيد عن طباع المؤمنين الذين إذا قالوا صدقوا ، وإذا جادلوا اتبعوا أحسن الطرق وأهداها . ثم وصفه اللَّه - تعالى - بصفة رابعة فقال : * ( وإِذا تَوَلَّى سَعى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها ويُهْلِكَ الْحَرْثَ والنَّسْلَ واللَّه لا يُحِبُّ الْفَسادَ ) * . تولى : من التولية بمعنى الإدبار والانصراف ، ومتعلق تولى محذوف تقديره : تولى عنك . وسعى : من السعى وهو المشي السريع وهو مستعار هنا لإيقاع الفتنة والتخريب . والفساد كما قال الراغب - خروج الشيء عن الاعتدال قليلا كان الخروج عنه أو كثيرا ، ويضاده الصلاح يقال فسد فسادا وفسودا إذا خرج عن الاستقامة « 2 » . والحرث : مصدر يحرث ، أى : أثار الأرض لإعدادها للزراعة ، ثم أطلق وأريد به المحروث وهو الأرض ، ثم أطلق وأريد به ما يترتب على ذلك من الزروع والثمار وهو المراد هنا .
( 1 ) تفسير القرطبي ج 3 ص 16 . ( 2 ) المفردات في غريب القرآن ص 379 للراغب الأصفهاني .
441
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 441