responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 436


فقط ، ولا يطلب الدنيا ، لأن الإسلام دين لا يرضى لأتباعه أن ينسوا حظوظهم من الدنيا ، ولا يقر الانقطاع عن زينتها التي أخرجها اللَّه لهم ، وإنما يريد لهم أن يكونوا من العاملين بقوله - تعالى - : وابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّه الدَّارَ الآخِرَةَ ولا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا .
وبين - سبحانه - أن هذا النوع الثاني من الناس قد التمس من خالقه أن يقيه عذاب النار مع أن هذا الدعاء مندرج تحت حسنة الآخرة ، وذلك لأن هذا النوع من الناس لقوة إيمانه ، وصفاء وجدانه ، وشدة خشيته من ربه يغلب الخوف على الرجاء ، فهو يستصغر حسناته مهما كثرت بجانب نعم اللَّه وفضله ، ويلح في الدعاء وفي الطلب أملا في الاستجابة .
وقد أجمع العلماء على أن هذه الآية الكريمة من جوامع الدعاء ، وورد في فضل الدعاء بها أحاديث كثيرة منها ما رواه البخاري عن أنس بن مالك قال كان النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول : « اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار » .
وروى ابن أبى حاتم عن عبد السلام بن شداد قال : كنت عند أنس بن مالك فقال له ثابت : إن إخوانك يحبون أن تدعو لهم . فقال : « اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار » وتحدثوا حتى إذا أرادوا القيام قال : يا أبا حمزة إن إخوانك يريدون القيام فادع اللَّه لهم فقال : أتريدون أن أشقق لكم الأمور ! ! إذا آتاكم اللَّه في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ووقاكم عذاب النار فقد آتاكم الخير كله « 1 » .
قال الإمام الرازي : اعلم أن اللَّه - تعالى - بين أولا تفصيل مناسك الحج ، ثم أمر بعدها بالذكر فقال : * ( فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّه عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ ) * ثم بين أن الأولى أن يترك ذكر غيره وأن يقتصر على ذكره - سبحانه - ثم بين بعد ذلك كيفية الدعاء فقال : * ( فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ . . ) * وما أحسن هذا الترتيب فإنه لا بد من تقديم العبادة لكسر النفس وإزالة ظلماتها ثم بعد العبادة لا بد من الاشتغال بذكر اللَّه - تعالى - لتنوير القلب وتجلى نور جلاله .
ثم بعد ذلك الذكر يشتغل الرجل بالدعاء ، فإن الدعاء إنما يكمل إذا كان مسبوقا بالذكر كما حكى عن إبراهيم - عليه السلام - أنه قدم الذكر فقال : الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ثم قال : رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ فقدم الذكر على الدعاء » « 2 » .
ثم بين - سبحانه - جزاء هذا الفريق الثاني فقال : * ( أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا واللَّه سَرِيعُ الْحِسابِ ) * .


( 1 ) تفسير ابن كثير ج 1 ص 244 . ( 2 ) تفسير الفخر الرازي ج 5 ص 204 .

436

نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 436
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست