نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 286
فيك ، عليم بما يبيتونه لك ولأتباعك من مكر وكيد ، وهو الكفيل بكف بأسهم ، وقطع دابرهم . وعبر - سبحانه - عن شدة مخالفتهم بقوله : « فإنما هم في شقاق » مبالغة في وصفهم بالشقاق حيث جعله مستوليا عليهم استيلاء الظرف على ما يوضع فيه . ورتب قوله : * ( فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّه ) * على قوله * ( فَإِنَّما هُمْ فِي شِقاقٍ ) * تثبيتا للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم والمؤمنين لأن إعلامهم أن أهل الكتاب في مخالفة ومعاداة لهم قد يحملهم على الخوف منهم بسبب كثرتهم وقوتهم ، فبشر الله - تعالى - نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم بأنهم مهما بلغت قوتهم فلن يستطيعوا أن يصلوا إليك بأذى . وأنه - سبحانه - سيكفيك شرهم . وقد أوفى الله - تعالى - بوعده ، فنصر نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم عليهم وعصمه من كيدهم بإلقاء العداوة بينهم وطرد من يستحق الطرد منهم ، وقتل من لا بد من قتله بسبب خيانته وغدره . فالآية الكريمة قد تضمنت وعدا للمؤمنين بالنصر ، ووعيدا لليهود ومن على شاكلتهم بالهزيمة والخيبة . ثم بين - سبحانه - بعد ذلك - أن دين الله وهو الإسلام أولى بالاتباع فقال تعالى : * ( صِبْغَةَ اللَّه ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّه صِبْغَةً ونَحْنُ لَه عابِدُونَ ) * . الصبغة فعلة من صبغ كالجلسة من جلس وهي في أصل اللغة . الحالة التي يقع عليها الصبغ وهو تلوين الأشياء - كالثياب وغيرها - بألوان معينة واستعملت الصيغة في الآية بمعنى الإيمان بما فصلته الآية الكريمة وهي قوله تعالى قبل ذلك * ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّه وما أُنْزِلَ إِلَيْنا وما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وإِسْماعِيلَ وإِسْحاقَ ويَعْقُوبَ والأَسْباطِ وما أُوتِيَ مُوسى وعِيسى ) * . إلخ الآية . وإنما أطلقت الصبغة على الإيمان بما ذكرته الآية مفصلا ، لأن الإيمان يمتزج بالقلوب امتزاج الصبغ بالمصبوغ ، وتبدو آثاره على المؤمنين كما تبدو آثار الصبغ على المصبوغ . ويقال : تصبغ فلان في الدين إذا أحسن دينه وتقيد بتعاليمه تقيدا تاما . وقوله : * ( صِبْغَةَ اللَّه ) * هكذا بالنصب على أنه وارد مورد المصدر المؤكد لقولهم ( آمنا ) فإنه في معنى صبغنا الله بالإيمان ، وكأنهم قالوا صبغنا الله بالإيمان صبغته . وإيراد المصدر تأكيدا لفعل يوافقه في المعنى ويخالفه في اللفظ معهود في الكلام البليغ . قال القاضي : قوله تعالى : * ( صِبْغَةَ اللَّه ) * متعلق بقوله : * ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّه ) * إلى قوله : * ( ونَحْنُ لَه مُسْلِمُونَ ) * فوصف هذا الإيمان منهم بأنه صيغة الله ، ليبين أن المباينة بين هذا الدين الذي اختاره الله وبين الدين الذي اختاره المبطلون ظاهرة جلية ، كما تظهر المباينة بين الألوان والأصباغ لذي الحس السليم » « 1 » .
( 1 ) تفسير الرازي ج 1 ص 522 .
286
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 286