نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 273
ثم حكى القرآن جملة من الدعوات الخاشعات ، التي توجه بها إبراهيم وإسماعيل إلى اللَّه - تعالى - فقال : * ( رَبَّنا واجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ) * . مسلمين من الإسلام ، وهو الخضوع والإذعان ، وقد كانا خاضعين للَّه مذعنين في كل حال ، وإنما طلبا الثبات والدوام على ذلك ، والإسلام الذي هو الخضوع للَّه بحق إنما يتحقق بعقيدة التوحيد ، وتحرى ما رسمه الشارع في العبادات والمعاملات ، والإخلاص في أداء ما أمر به ، واجتناب ما نهى عنه . وقوله : * ( ومِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ) * معناه : واجعل يا ربنا من ذريتنا أمة مخلصة وجهها إليك ، مذعنة لأوامرك ونواهيك . ومن ( من ) للتبعيض ، أو للتعيين كقوله : وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ . وإنما خص الذرية بالدعاء لأنهم أحق بالشفقة ، ولأنهم إذا صلحوا صلح بهم الأتباع ولأن صلاح الذرية مرغوب فيه طبعا ، والدعاء لهم بالصلاح مرغب فيه شرعا ، وقد حكى القرآن من دعاء الصالحين قوله - تعالى - : رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ واجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً * ( وأَرِنا مَناسِكَنا ) * أى : علمنا شرائع ديننا وأعمال حجنا ، كالطواف والسعى والوقوف . أو متعبداتنا التي تقام فيها شرائعنا ، كمنى ، وعرفات ، ونحوهما . والمناسك : جمع منسك - بفتح السين وكسرها - بمعنى الفعل وبمعنى الموضع من النسك - مثلثة النون وبضمها وضم السين - وهو غاية العبادة والطاعة ، وشاعت تسمية أعمال الحج بالمناسك كالطواف والسعى وغيرهما . * ( وتُبْ عَلَيْنا ) * تسند التوبة إلى العبد فيقال : تاب فلان إلى اللَّه ومعناها الندم على ما لابس من الذنب ، والإقلاع عنه ، والعزم على عدم العود إليه ، ورد المظالم إن استطاع ، أو نية ردها إن لم يستطع وتسند إلى اللَّه فيقال : تاب اللَّه على فلان ، ومعناها حينئذ توفيقه إلى التوبة ، أو قبولها منه . فمعنى * ( وتُبْ عَلَيْنا ) * وفقنا للتوبة أو تقبلها منا . والتوبة تكون من الكبائر والصغائر ، وتكون من ترك ما هو أولى أو من تقصير يؤدى إلى خطأ في الاجتهاد ، وعلى أحد هذين الوجهين ، تحمل التوبة التي يسأل الأنبياء والمرسلون ربهم قبولها أو التوفيق لها . * ( إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) * التواب : كثير القبول لتوبة المنيبين إليه ، وقبول توبتهم يقتضى عدم مؤاخذتهم بما يأتونه من سيئات ، ثم بعد تخلصهم من عقوبة الخطيئة أو المعاتبة عليها ينتظرون من رحمة اللَّه أن تحفهم بإحسان .
273
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 273