نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 183
يصدق عليهم المعاني الثلاثة لغة فجميعها مرادة من الآية ، ولا معنى لأن نشتغل بترجيح بعضها على بعض كما فعل ابن جرير وغيره . وعلى أى تفسير من هذه التفاسير للأمانى ، فالاستثناء منقطع ، لأن أى واحد من هذه المعاني ليس من علم الكتاب الحقيقي في شيء . وفي قوله تعالى : * ( وإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) * زيادة تجهيل لهم ، لأن أمنياتهم هذه من باب الأوهام التي لا تستند إلى دليل أو شبه دليل ، أو من باب الظن الذي هو ركون النفس إلى وجه من وجهين يحتملهما الأمر دون أن تبلغ في ذلك مرتبة القطع واليقين . وهذا النوع من العلم لا يكفى في معرفة أصول الدين التي يقوم عليها الإيمان العميق ، فهم ليسوا على علم يقيني من أمور دينهم ، وإنما هم يظنونها ظنا بدون استيقان ، والظن لا يغنى من الحق شيئا . وبعد أن بين القرآن الكريم فرق اليهود ، توعد الذين يحرفون الكلم عن مواضعه بسوء المصير فقال تعالى : * ( فَوَيْلٌ ) * « 1 » * ( لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّه لِيَشْتَرُوا بِه ثَمَناً قَلِيلًا ، فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ ووَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) * : والمعنى : فهلاك وفضيحة وخزي لأولئك الأحبار من اليهود الذين يكتبون الكتابات المحرفة والتأويلات الفاسدة بأيديهم ، بدلا مما اشتملت عليه الكتب من حقائق ، ثم يقولون لجهالهم ومقلديهم كذبا وبهتانا هذا من عند اللَّه ، ومن نصوص التوراة التي أنزلها اللَّه على موسى ، ليأخذوا في نظير ذلك عرضا يسيرا من حطام الدنيا ، فعقوبة عظيمة لهم بسبب ما قاموا به من تحريف وتبديل لكلام اللَّه ، وخزي كبير لهم من أجل ما اكتسبوه من أموال بغير حق . فالآية الكريمة فيها تهديد شديد لأحبار اليهود الذين تجرؤا على كتاب اللَّه بالتحريف والتبديل ، وباعوا دينهم بدنياهم ، وزعموا أن ما كتبوه هو من عند اللَّه . وصرح - سبحانه - بأن الكتابة * ( بِأَيْدِيهِمْ ) * ليؤكد أنهم قد باشروها عن تعمد وقصد ، وليدفع توهم أنهم أمروا غيرهم بكتابتها ، ولتصور حالتهم في النفوس كما وقعت ، حتى ليكاد السامع لذلك أن يكون مشاهدا لهيئتهم . وقوله تعالى : * ( ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّه ) * كشف عن كذبهم وفجورهم ، فهم يحرفون الكلم عن مواضعه ، ثم يزعمون أنه من عند اللَّه ليتقبله أتباعهم بقوة واطمئنان . ثم بين - سبحانه - العلة التي حملتهم على التحريف والكذب فقال تعالى : * ( لِيَشْتَرُوا بِه ثَمَناً قَلِيلًا ) *
( 1 ) الويل لفظ دال على الشر أو الهلاك ، وهو مصدر لا فعل له من لفظه وقد يستعمل بدون حرف نداء كما هنا ، وقد يستعمل مع حرف النداء كما في قوله تعالى « يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا » .
183
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 183