نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 166
وقد أكد - سبحانه - جملة * ( قالَ إِنَّه يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ ) * تنزيلا لهم منزلة المنكرين لتعنتهم في السؤال ومحاولتهم التنصل مما أمروا به . ولم يقل القرآن الكريم من أول الأمر : إنها بقرة عوان بل جاء بالوصفين السابقين * ( لا فارِضٌ ولا بِكْرٌ ) * للتعريض بغباوتهم ، والتلميح بعدم فهمهم للأساليب الموجزة ، لذا لجأ في جوابهم إلى تنكير التوصيف حتى لا يعودوا إلى تكرار الأسئلة . وقوله تعالى : * ( فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ ) * يقصد به قطع العذر مع الحض على الطاعة والامتثال . وما موصولة ، والعائد محذوف بعد حذف جاره ، على طريقة التوسع ، أى : إذا كان الأمر كذلك ، فبادروا إلى تنفيذ ما تؤمرون به ، لتصلوا إلى معرفة القاتل الحقيقي بأيسر طريق ، ولا تضيقوا على أنفسكم ما وسعه اللَّه لكم ، ولا تكثروا من المراجعة ، فإنها ليست في مصلحتكم . ومع ذلك فقد أبوا إلا تنطعا ، واستقصاء في السؤال ، فأخذوا يسألون عن لونها بعد أن عرفوا سنها ، فقالوا كما حكى القرآن عنهم : * ( قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها . قالَ إِنَّه يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ ) * . والمعنى : قال بنو إسرائيل لنبيهم ، مشددين على أنفسهم بعد أن عرفوا صفة البقرة من جهة سنها : سل لنا ربك يبين لنا ما لونها ، لكي يسهل علينا الحصول عليها ، فأجابهم بقوله : إنه - تعالى - يقول إن البقرة التي أمرتكم بذبحها صفراء فاقع لونها ، تعجب في هيئتها ومنظرها وحسن شكلها الناظرين إليها . . . قال ابن جرير : « والفقوع في الصفرة نظير النصوع في البياض ، وهو شدته وصفاؤه » « 1 » . وقال صاحب الكشاف : « الفقوع أشد ما يكون مع الصفرة ، وأنصعه يقال في التوكيد أصفر فاقع ووارس ، كما يقال : أسود حالك ، . . ثم قال فإن قلت : فهلا قيل : صفراء فاقعة ، وأى فائدة في ذكر اللون ؟ قلت : الفائدة فيه التوكيد ، لأن اللون اسم للهيئة وهي الصفرة ، فكأنه قيل : شديد صفرتها فهو من قولك : جد جده » « 2 » . وإلى هنا يكونون قد عرفوا وصف البقرة من حيث سنها ووصفها من حيث لونها ، فهل أغنتهم هذه الأوصاف ؟ ، كلا ! ما أغنتهم . فقد أخذوا يسألون للمرة الثالثة عما هم في غنى عنه فقالوا كما حكى القرآن عنهم :
( 1 ) تفسير ابن جرير ج 1 ص 335 . ( 2 ) تفسير الكشاف ج 1 ص 219 .
166
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي جلد : 1 صفحه : 166