responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 128


بما كان من قومه بعد فراقه ، فرجع إليهم غاضبا حزينا ، وأعلمهم بأن توبتهم لن تكون مقبولة إلا بقتل أنفسهم ، فلما فعلوا ذلك عفا اللَّه تعالى عنهم لكي يشكروه ، ويلتزموا الصراط المستقيم .
ومعنى الآيتين الكريمتين : واذكروا يا بنى إسرائيل وقت أن وعدنا موسى أن نؤتيه التوراة بعد انقضاء أربعين ليلة من هذا الوعد ، فلما حل الوعد وجاء موسى لميقاتنا عبدتم العجل في غيبته ، ولا شك أنكم ظلمتم أنفسكم بعبادة غير اللَّه ، وبوضعكم الأمور في غير مواضعها ، ومع هذا فلم نعاجلكم بالعقوبة ، بل قبلنا توبتكم ، وعفونا عنكم ، لتكونوا من الشاكرين للَّه تعالى .
وهذا التذكير يحمل في طياته التعجيب من حالهم ، لأنهم قابلوا نعم اللَّه بأقبح أنواع الكفر والجهالة ، حيث عبدوا في غيبة نبيهم ما هو مثال في الغباوة والبلادة وهو العجل .
وفي اختيار حرف العطف ( ثم ) المفيد للتراخي الرتبى في جملة * ( ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِه ) * إشعار بأنهم انحدروا إلى دركات سحيفة من الجحود والجهل ، وأن ما ارتكبوه هو من عظائم الأمور في القبح والمعصية وحذف المفعول الثاني لاتخذتم وهو « إلها أو معبودا لشناعة ذكره ولعلمهم بأنهم اتخذوه إلها .
وقوله تعالى : * ( مِنْ بَعْدِه ) * معناه : من بعد مضيه لميقات ربه إلى الطور وغيابه عنهم . وفي ذلك زيادة تشنيع عليهم ، حيث وصفهم - سبحانه - بعدم الوفاء ، لأنهم كان من الواجب عليهم - لو كانوا يعقلون - أن يستمروا على توحيد اللَّه في غيبة نبيهم لا سيما وقد رأوا من المعجزات والنعم ، ما يطمئن النفوس ، ويقوى الإيمان ويغرس في القلوب الطاعة للَّه تعالى .
وجملة * ( وأَنْتُمْ ظالِمُونَ ) * حالية مقيدة لاتخذتم ، ليكون اتخاذهم العجل معبودا ، مقرونا بالتعدي والظلم من بدئه إلى نهايته ، وللإشعار بانقطاع عذرهم فيما فعلوا .
وقوله تعالى * ( ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) * معناه ثم تركنا معاجلتكم بالعقوبة ، ومحونا ذنوبكم ، لتوبتكم من بعد اتخاذكم العجل معبودا من دون اللَّه ، رجاء أن تشكروا خالقكم على عفوه عنكم وتستعملوا نعمه فيما خلقت له وتتبعوا رسوله صلَّى اللَّه عليه وسلم .
وقد تضمنت هاتان الآيتان الكريمتان ، ما يدل على غباء بنى إسرائيل وقصر نظرهم . لأنهم اتخذوا العجل إلها بعد أن شاهدوا البراهين على صدق نبيهم ، كما تضمنتا تسلية للرسول صلَّى اللَّه عليه وسلم عما كان يشاهده من اليهود المعاصرين للدعوة الإسلامية ، فكأنه سبحانه يقول : إن ما قام به بنو إسرائيل المعاصرون لك من أذى وحقد قد فعلوا ما يشبه آباؤهم الأقدمون مع نبيهم موسى - عليه السلام - فلقد اتخذوا في غيبته عجلا جسدا له خوار دون أن يفطنوا إلى أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا ، اتخذوه وكانوا ظالمين .

128

نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 128
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست