responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 110


قال أبو حيان في البحر : « وهذه الحال ، وإن كان ظاهرها أنها قيد في النهى عن اللبس والكتم ، فلا تدل بمفهومها على جواز اللبس والكتم حالة الجهل ، إذ الجاهل بحال الشيء لا يدرى كونه حقا أو باطلا ، وإنما فائدتها بيان أن الإقدام على الأشياء القبيحة ، مع العلم بها ، أفحش من الإقدام عليها مع الجهل « 1 » .
وبعد أن أمرهم - سبحانه - بأصل الدين الذي هو الإيمان به وبرسوله محمد صلَّى اللَّه عليه وسلم أردفه بركنين من أركانه العملية ، إذا قاموا بهما لانت قلوبهم للحق ، وانعطفت نفوسهم نحو خشية اللَّه وحده ، فقال تعالى : * ( وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ وارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ) * والمراد بإقامة الصلاة ، أداؤها مستوفية لأركانها وشرائطها وآدابها . والمراد بإيتاء الزكاة دفعها لمستحقيها كاملة غير منقوصة .
والمعنى : عليكم يا معشر اليهود أن تحافظوا على أداء الصلاة ، التي هي أعظم العبادات البدنية ، وعلى إيتاء الزكاة التي هي أعظم العبادات المالية ، وأن تخضعوا لما يلزمكم في دين اللَّه - تعالى - لأن في محافظتكم على هذه العبادات تطهيرا لقلوبكم ، وتأليفا لنفوسكم ، وتزكية لمشاعركم ، ولأنكم إن لم تحافظوا عليها كما أمركم اللَّه - تعالى - فسيلحقكم الخزي في الدنيا ، والعذاب في الأخرى .
هذا ، ونرى من المناسب أن نختم تفسير هذه الآيات الكريمة ، وبيان ما اشتملت عليه من توجيه سليم ، وتركيب بليغ ، بما قاله أبو حيان في تفسيره ، فقد قال - رحمه اللَّه - :
« وفي هذه الجمل - وإن كانت معطوفات بالواو التي لا تقتضي في الوضع ترتيبا - ترتيب عجيب من الفصاحة ، وبناء الكلام بعضه على بعض ، وذلك أنه تعالى أمرهم أولا بذكر النعمة التي أنعمها عليهم ، إذ في ذلك ما يدعو إلى محبة المنعم ووجوب طاعته : ثم أمرهم بإيفاء العهد الذي التزموه للمنعم ، ثم رغبهم بترتيب إيفائه هو تعالى بعهدهم في الإيفاء بالعهد ، ثم أمرهم بالخوف من نقمه إن لم يوفوا ، فاكتنف الأمر بالإيفاء أمر بذكر النعمة والإحسان ، وأمر بالخوف من العصيان . ثم أعقب ذلك بالأمر بإيمان خاص وهو ما أنزل من القرآن ، ورغب في ذلك بأنه مصدق لما معهم ، فليس أمرا مخالفا لما في أيديهم ، لأن الانتقال إلى الموافق أقرب من الانتقال إلى المخالف ثم نهاهم عن استبدال الخسيس بالنفيس ، ثم أمرهم - تعالى - باتقائه ثم أعقب ذلك بالنهى عن لبس الحق بالباطل ، وعن كتم الحق ، فكان الأمر بالإيمان أمرا بترك الضلال ، والنهى عن لبس الحق بالباطل ، وكتمان الحق تركا للإضلال .


( 1 ) تفسير « البحر المحيط » لأبى حيان ج 1 ص 180 ، مطبعة السعادة سنة 1327 ه .

110

نام کتاب : التفسير الوسيط للقرآن الكريم نویسنده : سيد محمد طنطاوي    جلد : 1  صفحه : 110
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست