نام کتاب : التفسير الحديث نویسنده : محمد عزة دروزة جلد : 1 صفحه : 302
والجاحدون للحياة الأخروية يركزون على ناحية من أمر هذه الحياة وهي أنها تجعلهم ينفضون أيديهم من الحياة الدنيا ويعتبرون أنفسهم عابري سبيل فيها . ونقول إنهم بالنسبة للمسلمين يقيسون الأمر على الواقع الذي لا يتحمل الإسلام والقرآن مسؤوليته . فكل ما في القرآن حتى العبادات من صلاة وصيام وحج هادف إلى صلاح الإنسان في الحياة الدنيا على ما سوف نشرحه في مناسباته . وحتى الحياة الأخروية نفسها قد انطوت على هذا الهدف على ما مر شرحه . وصلاح الإنسان في الدنيا أمر عام يشمل كل شيء ، ولقد : وَعَدَ اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً [ النور / 55 ] ، والصالحات التي قرنت بالإيمان كل شيء يجعل المسلمين صالحين لهذه الخلافة من علم وعمل وعزة وكرامة وقوة وتقدم في كل مجال من مجالات الحياة . وكل هذا هو عماد النجاح للاستخلاف في الأرض والتمكن منها . ولا يصح أن يكون اللَّه قد رشحهم لذلك ويرضى منهم أن ينفضوا أيديهم منه بطبيعة الحال . ولقد توقع اللَّه منهم أن يكونوا عند هذا حينما هتف بهم : ولْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ‹ 104 › ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا واخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ‹ 105 › [ آل عمران / 104 - 105 ] ، وكُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وتُؤْمِنُونَ بِاللَّه [ آل عمران / 110 ] ، والَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ وأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ ونَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [ الحج / 41 ] ، والمعروف هو كل ما فيه خير ونفع ومصلحة وعزة وكرامة وعدل واستقامة وصلاح وحق . والمنكر هو كل ما فيه أضداد ذلك . وكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [ البقرة / 143 ] ، أي حاملي مشعل الهداية لهم والخير العادل المستقيم على الحق الذي برىء من الإفراط والتفريط والغلوّ والتقصير .
302
نام کتاب : التفسير الحديث نویسنده : محمد عزة دروزة جلد : 1 صفحه : 302