نام کتاب : التسهيل لعلوم التنزيل نویسنده : الغرناطي الكلبي جلد : 1 صفحه : 439
والموعظة هي الترغيب والترهيب ، والجدال هو الردّ على المخالف ، وهذه الأشياء الثلاثة يسميها أهل العلوم العقلية بالبرهان والخطابة والجدال ، وهذه الآية تقتضي مهادنة نسخت بالسيف ، وقيل : إن الدعاء إلى اللَّه بهذه الطريقة من التلطف والرفق غير منسوخ ، وإنما السيف لمن لا تنفعه هذه الملاطفة من الكفار : وأما العصاة فهي في حقهم محكمة إلى يوم القيامة باتفاق * ( وإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِه ) * المعنى إن صنع بكم صنع سوء فافعلوا مثله ولا تزيدوا عليه ، والعقوبة في الحقيقة إنما هي الثانية ، وسميت الأولى عقوبة لمشاكلة اللفظ ، ويحتمل أن يكون عاقبتم بمعنى أصبتم عقبى : كقوله في الممتحنة فعاقبتم بمعنى غنمتم فيكون في الكلام تجنيس ، وقال الجمهور : إن الآية نزلت في شأن حمزة بن عبد المطلب لما بقر المشركون بطنه يوم أحد ، قال النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : واللَّه لئن أظفرني اللَّه بهم لأمثلن بسبعين منهم ، فنزلت الآية فكفر النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم عن يمينه وترك ما أراد من المثلة ولا خلاف أن المثلة حرام ، وقد وردت الأحاديث بذلك ويقتضي ذلك أنها مدنية ، ويحتمل أن تكون الآية عامة ، ويكون ذكرهم لحمزة على وجه المثال ، وتكون على هذا مكية كسائر السورة واختلف العلماء فيمن ظلمه رجل في مال ثم ائتمن الظالم المظلوم على مال هل يجوز له خيانته في القدر الذي ظلمه ، فأجاز ذلك قوم لظاهر الآية ، ومنعه مالك لقوله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم : أدّ الإمامة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك [1] * ( ولَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ) * هذا ندب إلى الصبر وترك عقوبة من أساء إليك فإن العقوبة مباحة ، وتركها أفضل ، والضمير راجع للصبر ، ويحتمل أن يريد بالصابرين هنا العموم ، أو يراد به المخاطبون كأنه قال : خير لكم * ( واصْبِرْ وما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّه ) * هذا عزم على النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم في خاصته على الصبر ، ويروى أنه قال لأصحابه أما أنا فأصبر كما أمرت ، فماذا تصنعون ؟ قالوا نصبر كما ندبنا ثم أخبره أنه لا يصبر إلا بمعونة اللَّه وقد قيل إن ما في هذه الآية من الأمر بالصبر منسوخ بالسيف ، وهذا إن كان الصبر يراد به ترك القتال ، وأما إن كان الصبر يراد به ترك المثلة التي فعل مثلها بحمزة فذلك غير منسوخ * ( ولا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ) * أي لا تتأسف لكفرهم * ( ولا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ) * أي لا يضق صدرك بمكرهم ، والضيق بفتح الضاد تخفيف من ضيق كميت وميت ، وقرئ [2] بالكسر وهو مصدر ، ويجوز أن يكون الضيق والضيق مصدران * ( إِنَّ اللَّه مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا ) * يريد أنه معهم بمعونته ونصره * ( والَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ) * الإحسان هنا يحتمل أن يراد به فعل الحسنات ، والمعنى الذي أشار له النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم بقوله : الإحسان أن تعبد اللَّه كأنك تراه [3] وهذا هو الأظهر ، لأنه رتبة فوق التقوى .
[1] . أخرجه أحمد في المسند عن رجل من أهل مكة يقال له يوسف عن رجل قرشي عن أبيه : ج 3 ص 527 وذكره صاحب التيسير وعزاه للبخاري في التاريخ وأبي داود والترمذي وحسّنه والحاكم عن أبي هريرة . [2] . قرأ ابن كثير : ضيق وفي النمل ، بكسر الضاد ، والباقون بالفتح . [3] . جزء من حديث جبريل الطويل الذي رواه مسلم عن عمر بن الخطاب .
439
نام کتاب : التسهيل لعلوم التنزيل نویسنده : الغرناطي الكلبي جلد : 1 صفحه : 439