نام کتاب : التبيان في أقسام القرآن نویسنده : ابن قيم الجوزية جلد : 1 صفحه : 25
له فأنكر سبحانه افتخاره وتبجحه بإنفاق المال في شهواته وأغراضه التي إنفاقه فيها إهلاك له ثم وبخه بقوله ( أيحسب أن لم يره أحد ) وأتى ههنا بلم الدالة على المضي في مقابلة قوله ( أهلكت مالا لبدا ) فان ذلك في الماضي أفيحسب أن لم يره أحد فيما أنفقه وفيما أهلكه ثم ذكر برهانا مقدرا أنه سبحانه أحق بالرؤية وأولى من هذا العبد الذي له عينان يبصر بهما فكيف يعطيه البصر من لم يره وكيف يعطيه آلة البيان من الشفتين واللسان فينطق ويبين عما في نفسه ويأمر وينهى من لا يتكلم ولا يكلم ولا يخاطب ولا يأمر ولا ينهى وهل كمال المخلوق مستفاد إلا من كمال خالقه ومن جعل غيره عالما بنجدي الخير والشر وهما طريقاهما أليس هو أولى وأحق بالعلم منه ومن هداه إلى هذين الطريقين كيف يليق به أن يتركه سدى لا يعرفه ما يضره وما ينفعه في معاشه ومعاده وهل النبوة والرسالة إلا لتكميل هداية النجدين فدل هذا كله على إثبات الخالق وصفات كماله وصدق رسله ووعده وهذه أصول الإيمان التي اتفقت عليها جميع الرسل من أولهم إلى آخرهم إذا تأمل الإنسان حاله وخلقه وجده من أعظم الأدلة على صحتها وثبوتها فتكفي الإنسان فكرته في نفسه وخلقه والرسل بعثوا مذكرين بما في الفطر والعقول مكملين له لتقوم على العبد حجة الله بفطرته ورسالته ومع هذا فقامت عليه حجته ولم يقتحم العقبة التي بينه وبين ربه التي لا يصل إليها حتى يقتحمها بالاحسان إلى خلقه بفك رقبة وهو تخليصها من الرق ليخلصه الله من رق نفسه ورق عدوه وإطعام اليتيم والمسكين في يوم المجاعة وبالإخلاص له سبحانه بالإيمان الذي هو خالص حقه عليه وهو تصديق خبره وطاعة أمره وابتغاء وجهه وبنصيحة غيره أن يوصيه بالبر والرحمة ويقبل وصية من أوصاه بها فيكون صابرا رحيما في نفسه معينا لغيره على الصبر والرحمة فمن لم يقتحم هذه العقبة وهلك دونها هلك منقطعا عن ربه غير واصل إليه بل محجوبا عنه والناس قسمان ناج وهو من قطع العقبة وصار وراءها وهالك وهو من
25
نام کتاب : التبيان في أقسام القرآن نویسنده : ابن قيم الجوزية جلد : 1 صفحه : 25