نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 599
عن أبيه قال : جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمي : يا رسول الله إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي ، فقال الكندي : هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق . فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي : ( ألك بينة ) قال : لا ! قال : ( فلك يمينه ) فقال : يا رسول الله إنه فاجر ليس يبالي ما حالف ليس يتورع من شئ ، فقال : ( ليس لك منه إلا ذلك ) . فلو كان الفجور يوجب الحجر لسأل صلى الله عليه وسلم عن حاله أو لأبطل خصومته لإقرار الخصم بأنه محجور عليه غير جائز الخصومة . ولا خلاف بين الفقهاء أن المسلمين والكفار سواء في جواز التصرف في الأملاك ونفاذ العقود والإقرارات ، والكفر أعظم الفسوق وهو غير موجب للحجر ، فكيف يوجبه الفسق الذي هو دونه ؟ وهذا ما لا خلاف فيه بين الفقهاء أن المسلمين والكفار سواء في جواز التصرف والإملاك ونفاذ العقود . قوله عز وجل : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) قال أبو بكر : لما كان ابتداء الخطاب للمؤمنين في قوله : ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل ) ثم عطف عليه قوله تعالى : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) دل ذلك على معنيين : أحدهما أن يكون من صفة الشهود ، لأن الخطاب توجه إليهم بصفة الإيمان ، ولما قال في نسق الخطاب : ( من رجالكم ) كان كقوله من رجال المؤمنين ، فاقتضى ذاك كون الإيمان شرطا في الشهادة على المسلمين . والمعنى الآخر : الحرية ، وذلك لما في فحوى الخطاب من الدلالة من وجهين : أحدهما قوله تعالى : ( إذا تداينتم بدين ) إلى قوله تعالى : ( وليملل الذي عليه الحق ) وذلك في الأحرار دون العبيد ، والدليل عليه أن العبد لا يملك عقود المداينات وإذا أقر بشئ لم يجز إقراره إلا بإذن مولاه ، والخطاب إنما توجه إلى من يملك ذلك على الإطلاق من غير إذن الغير ، فدل ذلك على أن من شرط هذه الشهادة الحرية . والمعنى الآخر من دلالة الخطاب : قوله تعالى : ( من رجالكم ) فظاهر هذا اللفظ يقتضي الإحراز ، كقوله تعالى : ( وأنكحوا الأيامى منكم ) [ النور : 32 ] يعني الأحرار ، ألا ترى أنه عطف عليه قوله تعالى : ( والصالحين من عبادكم وإمائكم ) [ النور : 32 ] فلم يدخل العبيد في قوله تعالى ( منكم ) ؟ وفي ذلك دليل على أن من شرط هذه الشهادة الاسلام والحرية جميعا ، وأن شهادة العبد غير جائزة ، لأن أوامر الله تعالى على الوجوب وقد أمر باستشهاد الأحرار فلا يجوز غيرهم . وقد روى عن مجاهد في قوله تعالى : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) قال : ( الأحرار ) . فإن قيل : إن ما ذكرت إنما يدل على أن العبد غير داخل في الآية ولا دلالة فيها على بطلان شهادته . قيل له : لما ثبت بفحوى خطاب الآية أن المراد بها الأحرار ، كان قوله تعالى : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) أمرا مقتضيا للإيجاب ، وكان بمنزلة
599
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 599