نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 585
بالكتابة والإشهاد والرهن المذكور جميعه في هذه الآية ندب وإرشاد إلى ما لنا فيه الحظ والصلاح والاحتياط للدين والدنيا ، وإن شيئا منه غير واجب . وقد نقلت الأمة خلف عن سلف عقود المداينات والأشرية والبياعات في أمصارهم من غير إشهاد ، مع علم فقهائهم بذلك من غير نكير منهم عليهم ، ولو كان الإشهاد واجبا لما تركوا النكير على تاركه مع علمهم به . وفي ذلك دليل على أنهم رأوه ندبا ، وذلك منقول من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا . ولو كانت الصحابة والتابعون تشهد على بياعاتها وأشريتها لورد النقل به متواترا مستفيضا ولأنكرت هو على فاعله ترك الإشهاد ، فلما لم ينقل عنهم الإشهاد بالنقل المستفيض ولا إظهار النكير على تاركه من العامة ثبت بذلك أن الكتاب والإشهاد في الديون والبياعات غير واجبين ، وقوله تعالى : ( فاكتبوه ) مخاطبة لمن جرى ذكره في أول الآية وهو : ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين ) فإنما أمر بذلك للمتداينين . فإن قيل : ما وجه قوله تعالى : ( بدين ) والتداين لا يكون إلا بدين ؟ قيل له : لأن قوله تعالى : ( تداينتم ) لفظ مشترك يحتمل أن يكون من الدين الذي هو الجزاء كقوله تعالى ( مالك يوم الدين ) يعني يوم الجزاء فيكون بمعنى تجازيتم فأزال الاشتراك عن اللفظ بقوله تعالى : ( بدين ) وقصره على المعاملة بالدين ، وجائز أن يكون على جهة التأكيد وتمكين المعنى في النفس . وقوله تعالى : ( إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى ) ينتظم سائر عقود المداينات التي يصح فيها الآجال ، ولا دلالة فيه على جواز التأجيل في سائر الديون ، لأن الآية ليس فيها بيان جواز التأجيل في سائر الديون وإنما فيها الأمر بالإشهاد إذا كان دينا مؤجلا ، ثم يحتاج أن يعلم بدلالة أخرى جواز التأجيل في الدين وامتناعه ، ألا ترى أنها لم تقتض جواز دخول الأجل على الدين بالدين حتى يكونا جميعا مؤجلين ؟ وهو بمنزلة قوله : ( من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ) لا دلالة فيه على جواز السلم في سائر المكيلات والموزونات بالآجال المعلومة ، وإنما ينبغي أن يثبت جوازه في المكيل والموزون المعلوم الجنس والنوع والصفة بدلالة أخرى ، وإذا ثبت أنه مما يجوز السلم فيه احتجنا بعد ذلك إلى أن نسلم فيه إلى أجل معلوم . وكما تدل الآية على جواز عقود المداينات ولم يصح الاستدلال بعمومهما في إجازة سائر عقود المداينات ، لأن الآية إنما فيها الأمر بالإشهاد إذا صحت المداينة ، كذلك لا تدل على جواز شرط الأجل في سائر الديون وإنما فيها الأمر بالإشهاد إذا صح الدين والتأجيل فيه . وقد احتج بعضهم في جواز التأجيل في القرض بهذه الآية ، إذ لا تفرق بين القرض وسائر عقود المداينات ، وقد علمنا أن القرض مما شمله الاسم . وليس ذلك عندنا كما
585
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 585