نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 542
ذلك إن كان في حال إباحة الكلام بديا قبل حظره فلا حجة للمخالف فيه ، وإن كان بعد حظر الكلام فليس يمتنع أن يكون أبيح بعد الحظر ثم حظر فكان آخر أمره الحظر ونسخ به ما في حديث أبي هريرة . وقد بينا أن قوله : ( التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ) كان بعد حديث أبي هريرة ، إذ لو كان متقدما لأنكر عليهم ترك المأمور به من التسبيح ، ولكان القوم لا يخالفونه إلى الكلام مع علمهم بحظر الكلام والأمر بالتسبيح ، وفي ذلك دليل على أن الأمر بالتسبيح ناسخ لحظر الكلام متأخر عنه ، فوجب أن يكون ما في حديث أبي هريرة مختلفا في استعماله ، فوجب أن تقضي عليه الأخبار الواردة في الحظر ، لأن من أصلنا أنه متى ورد خبران أحدهما خاص والآخر عام واتفقوا على استعمال العام واختلفوا في استعمال الخاص كان الخبر المتفق على استعماله قاضيا على المختلف فيه . فإن قيل : قد فرقتم بين حدث الساهي والعامد ، فهلا فرقتم بين سهو الكلام وعمده ! قيل له : هذا سؤال فارغ لا يستحق الجواب ، إلا أن يتبين وجه الدلالة في إحدى المسألتين على الأخرى ، ومع ذلك فإنه لا فرق عندنا بين حدث الساهي والعامد في إفساد الصلاة بعد أن يكون من فعله ، وإنما الفرق بين ما كان من فعله أو سبقه من غير فعله ، فأما لو سهى فحك قرحة وخرج منها دم أو تقيأ فسدت صلاته وإن كان ساهيا فإن قيل : فقد فرقتم بين سلام الساهي والعامد وهو كلام في الصلاة ، فكذلك سائر الكلام فيها . قيل له : إنما السلام ضرب من الذكر مسنون به الخروج من الصلاة ، فإذا قصد إليه عامدا فسدت به الصلاة كما يخرج به منها في آخره ، وإذا كان ساهيا فهو ذكر من الأذكار لا يخرج به من الصلاة ، وإنما كان ذكرا لأنه سلام على الملائكة وعلى حضره من المصلين ، وهو لو قال : السلام على ملائكة الله وجبريل وميكال ، أو على نبي الله ، لا تفسد صلاته ، فلما كان ضربا من الأذكار لم يخرج به من الصلاة إلا أن يكون عامدا له . ويدل على هذا أنه موجود مثله في الصلاة لا يفسدها ، وهو قوله ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ) وإذا كان مثله قد يوجد في الصلاة ذكرا مسنونا لم يكن مفسدا لها إذا وقع منه ناسيا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الناس ) وما أبيح في الصلاة من الكلام فليس بداخل فيه فلا تفسد به الصلاة ولم يتناوله الخبر ، وإنما أفسدنا به الصلاة إذا تعمد لا من حيث كان من كلام الناس المحظور في الصلاة ولكن من جهة أنه مسنون للخروج من الصلاة ، فإذا عمد له فقد قصد الوجه المسنون له فقطع صلاته . وأيضا لما كان من شرط الصلاة الشرعية ترك الكلام فيها ومتى تعمد الكلام لم تكن صلاة عند الجميع إذا لم يقصد به إلى إصلاحها ، وجب أن يكون وجود الكلام فيها مخرجا لها من أن تكون صلاة شرعية ،
542
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 542