نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 292
أحد حالين : إما أن يكون ممن أمكنه استبانة طلوع الفجر والوصول إلى علمه من جهة اليقين بأن يكون عارفا به وليس بينه وبينه حائل ، فإن كان كذلك ثم لم يستبن فإن هذا لا يكون إلا من تفريطه في تأمله وترك مراعاته ، ومن كانت هذه حاله فغير جائز له الإقدام على الأكل ، فإذا أكل فقد فعل ما لم يكن له أن يفعله ، إذ قد كان في وسعه وإمكانه الوصول إلى اليقين والاستبانة ، ولم ففرط فيه ولم يفعله ، وتفريطه غير مسقط عنه فرض الصوم . وإن كان هذا الأكل ممن لا يعرف الفجر بصفته أو بينه وبينه حائل أو قمر أو ضعف بصر أو نحو ذلك ، فهذا أيضا ممن لا يجوز له العمل على الظن ، بل عليه أن يصير إلى اليقين ولا يأكل وهو شاك . وإذا كان ذلك على ما وصفنا لم يسقط عنه القضاء بتركه الاحتياط للصوم ، وكذلك من أكل على ظن منه بغيوبة بين الشمس في يوم غيم ، فهو بهذه المنزلة بمقتضى ظاهر قوله : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) . فإن قيل : لم يكلف تبين الفجر عند الله تعالى وإنما كلف ما عنده . قيل له : إذا أمكنه الوصول إلى معرفة طلوع الفجر الذي هو عند الله فعليه مراعاته ، فمتى لم يكن هناك حائل استحال أن لا يعلمه ، ومع ذلك فإنه إن غفل أبيح له الأكل في حال غفلته ، فإن إباحة الأكل غير مسقطة للقضاء كالمريض والمسافر وهما أصل في ذلك لأنهما معذوران ، والذي اشتبه عليه طلوع الفجر أو ظنه قد طلع معذور في الأكل ، والعذر لا يسقط القضاء بدلالة ما وصفنا . ويدل عليه اتفاق الجميع أنه لو غم عليهم الهلال في أول ليلة من رمضان فأفطروا ثم علموا بعد ذلك أنه كان من رمضان كان عليهم القضاء ، فكذلك من وصفنا أمره ، وكذلك الأسير في دار الحرب إذا لم يعلم بشهر رمضان حتى مضى ثم علم به كان عليه القضاء ، ولم يكن مكلفا في حال الإفطار إلا علمه ، ثم لم يكن جهله بالوقت مسقطا للقضاء ، فكذلك من خفي عليه طلوع الفجر وغروب الشمس . فإن قيل : هلا كان بمنزلة الناسي في سقوط القضاء لأنه لم يعلم في حال الأكل بوجوب الصوم عليه ؟ قيل له : هذا اعتلال فاسد لوجوده فيمن غم عليه هلال رمضان مع إيجاب الجميع عليه القضاء متى علم أنه من رمضان ، وكذلك الأسير في دار الحرب إذا لم يعلم بالشهر حتى مضى عليه القضاء عند الجميع من جهله بوجوب الصوم عليه . وقال أصحابنا في الآكل ناسيا : ( القياس أن يجب القضاء عليه ) ولكنهم تركوا القياس للأثر ، ولو كان ظاهر الآية ينفي صحة صوم الناسي لأنه لم يتم صومه والله سبحانه قال : ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) والصوم هو الإمساك ولم يوجد منه ذلك ، ألا ترى أنه لو نسي الصوم رأسا أنه لا خلاف أن عليه القضاء ولم يكن نسيانه مسقطا القضاء عنه ؟
292
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 292