نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 221
خلاف أن الحمل والرضاع لا يبيحان قصر الصلاة . ووجه دلالته على ما ذكرنا اخباره عليه السلام بأن وضع الصوم عن الحامل والمرضع هو كوضعه عن المسافر ، ألا ترى أن وضع الصوم الذي جعله من حكم المسافر هو بعينه جعله من حكم المرضع والحامل لأنه عطفهما عليه من غير استئناف ذكر شئ غيره ؟ فثبت بذلك أن حكم وضع الصوم عن الحامل والمرضع هو في حكم وضعه عن المسافر لا فرق بينهما ، ومعلوم أن وضع الصوم عن المسافر إنما هو على جهة إيجاب قضائه بالإفطار من غير فدية ، فوجب أن يكون ذلك حكم الحامل والمرضع . وفيه دلالة على أنه لا فرق بين الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو ولديهما ، إذ لم يفصل النبي صلى الله عليه وسلم بينهما . وأيضا لما كانت الحامل والمرضع يرجى لهما القضاء وإنما أبيح لهم الإفطار للخوف على النفس أو الولد مع إمكان القضاء ، وجب أن تكونا كالمريض والمسافر ، فإن احتج القائلون بإيجاب القضاء والفدية بظاهر قوله : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) لم يصح لهم وجه الدلالة منه على ما ادعوه ، وذلك لما روينا عن جماعة من الصحابة الذين قدمنا ذكرهم أن ذلك كان فرض المقيم الصحيح ، وأنه كان مخيرا بين الصيام والفدية ، وبينا أن ما جرى مجرى ذلك فليس القول فيه من طريق الرأي وإنما يكون توقيفا ، فالحامل والمرضع لم يجر لهما ذكر فيما حكوا ، فوجب أن يكون تأويلهما محمولا على ما ذكرنا . وقد ثبت نسخ ذلك بقوله تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) ومن جهة أخرى لا يصح الاحتجاج لهم به ، وهو قوله تعالى في سياق الخطاب ( وأن تصوموا خير لكم ) ومعلوم أن ذلك خطاب لمن تضمنه أول الآية ، وليس ذلك حكم الحامل والمرضع لأنهما إذا خافتا الضرر لم يكن الصوم خيرا لهما عليهما فعله وإن لم تخشيا ضررا على أنفسهما أو ولديهما ، فغير جائز لهما الإفطار ، وفي ذلك دليل واضح على أنهما لم ترادا بالآية . ويدل على بطلان قول من تأول الآية على الحامل والمرضع من القائلين بإيجاب الفدية والقضاء أن الله تعالى سمى هذا الطعام فدية ، والفدية ما قام مقام الشئ وأجزأ عنه ، فغير جائز على هذا الوضع اجتماع القضاء والفدية لأن القضاء إذا وجب فقد قام مقام المتروك فلا يكون الإطعام فدية ، وإن كان فدية صحيحة فلا قضاء لأن الفدية قد أجزأت عنه وقامت مقامه . فإن قيل : ما الذي يمنع أن يكون القضاء والإطعام قائمين مقام المتروك ؟ قيل له : لو كان مجموعهما قائمين مقام المتروك من الصوم لكان الإطعام بعض الفدية ولم يكن جميعها ، والله تعالى قد سمى ذلك فدية ، وتأويلك يؤدي إلى خلاف مقتضى الآية . وأيضا إذا كان الأصل المبيح للحامل والمرضع الإفطار والموجب عليهما الفدية هو قوله تعالى : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) وقد ذكر السلف الذين قدمنا قولهم إن الواجب
221
نام کتاب : أحكام القرآن نویسنده : الجصاص جلد : 1 صفحه : 221