وأما وضع الحكومة بينهم : فأطراف الجزيرة وإن كانت ربما ملك فيها ملوك تحت رعاية أقوى الجيران وأقربها كإيران لنواحي الشمال ، والروم لنواحي الغرب ، والحبشة لنواحي الجنوب ، إلا أن قرى الأوساط كمكة ويثرب والطائف وغيرها كانت تعيش في وضع أشبه بالجمهورية وليس بها ، والعشائر في البدو بل حتى في داخل القرى كانت تدار بحكومة رؤسائها وشيوخها ، وربما تبدل الوضع بالسلطنة . وهذا هو الهرج ( الفوضى ) العجيب الذي كان يبرز في كل عدة معدودة منهم بلون ، ويظهر في كل ناحية من أرض شبه الجزيرة بشكل مع الرسوم العجيبة والاعتقادات الخرافية الدائرة بينهم . أضف إلى ذلك بلاء الأمية وفقدان التعليم والتعلم في بلادهم فضلا عن العشائر والقبائل . وكل هذا الذي ذكرناه من أحوالهم وأعمالهم والعادات والمراسيم الدائرة بينهم هو مما يستفاد من سياق الآيات القرآنية والخطابات التي تخاطبهم بها ، أوضح إفادة ، فتدبر في المقاصد التي ترومها الآيات والبيانات التي تلقيها إليهم بمكة أولا ، ثم بعد ظهور الإسلام وقوته بالمدينة ثانيا ، وفي الأوصاف التي تصفهم بها ، والأمور التي تذمها منهم وتلومهم عليها ، والنواهي المتوجهة إليهم في شدتها وضعفها . . إذا تأملت كل ذلك تجد صحة ما ذكرناه . والتأريخ كذلك يذكر كل ذلك ويعرض من تفاصيله ما لم نذكره ، لإجمال الآيات الكريمة وإيجازها القول فيه . وأوجز كلمة وأوفاها لإفادة مجمل هذه المعاني ما سمى القرآن به هذا العهد " الجاهلية " فقد أجمل في معناها كل هذه التفاصيل . هذا حال عالم العرب ذلك اليوم . وأما العالم المحيط بهم ذلك اليوم من الفرس والروم والحبشة والهند وغيرهم ، فالقرآن يجمل القول فيه أيضا .