إذا مل قال لها مستهزئا ! : إني أعتذر إليك ! إني لم أتركك الا ملالة ، فتقول له : كذلك فعل الله بك ! فابتاعها أبو بكر فأعتقها . واعتق النهدية وبنتها ، وأم عبيس وزنيرة ، وأصيب بصرها حين أعتقها ، فقالت قريش : ما أذهب بصرها الا اللات والعزى ، فقالت : كذبوا وبيت الله ما تضر اللات والعزى وما تنفعان ، فرد الله بصرها . وأعتق عامر بن فهيرة وشهد بدرا واحدا وقتل شهيدا يوم بئر معونة . ومر ببلال بن رباح ، وكان أمية بن خلف الجمحي يخرجه إذا حميت الظهيرة فيطرحه على ظهره في بطحاء مكة ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره ، ويقول له : لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى ! فيقول وهو في ذلك البلاء : أحد أحد . وكان دار أبي بكر في بني جمح ، فمر به وهم يصنعون به ذلك ، فقال لامية بن خلف : ألا تتقي الله في هذا المسكين ؟ حتى متى ! قال : أنت الذي أفسدته فأنقذه مما ترى . فقال أبو بكر : أفعل ، عندي غلام أسود أجلد منه وأقوى ، على دينك ، أعطيكه به . قال : قد قبلت . فقال : هو لك . فأعطاه أبو بكر عنه غلامه وأخذه فأعتقه [1] .
[1] سيرة ابن هشام 1 : 339 - 343 بتصرف . هذا وقد روى الإسكافي في نقض العثمانية عن ابن إسحاق والواقدي أن عامر بن فهيرة وبلالا اعتقهما رسول الله ، كما في شرح النهج للمعتزلي 13 : 273 . ولذلك عد ابن شهرآشوب بلالا من موالي النبي ( صلى الله عليه وآله ) ج 1 : 171 . وقال ابن هشام في عامر بن فهيرة : أنه كان أسود من مولدي الأسد 1 : 277 . ومعنى ما رواه ابن إسحاق هو أن أبا بكر لم يكن من المستضعفين فلم يعذب في الله ، بل أطلق واعتق عددا منهم . ولكن ابن هشام ذكر أن نوفل بن خويلد بن أسد ( ابن عم خديجة ، وهل هو أبو ورقة بن نوفل ؟ ! ) وكان من شياطين قريش ، قرن بين أبي بكر وطلحة بن عبد الله في حبل ، فبذلك كانا يسميان : القرينين ، كما في سيرة ابن هشام 1 : 301 . وأضاف الجاحظ في العثمانية قال : ضربه نوفل بن خويلد مرتين حتى أدماه ، وشده مع طلحة بن عبيد الله في قرن . وجعلهما في الهاجرة عمير بن عثمان ، ولذلك كانا يدعيان القرينين ، كما في العثمانية : 28 وعنها في شرح النهج للمعتزلي 13 : 253 . ورد عليه الإسكافي في نقض العثمانية فقال : أنتم في أبكر بين أمرين : تارة تجعلونه رئيسا متبعا وكبيرا مطاعا ، وتارة تجعلونه دخيلا ساقطا وهجينا رذيلا مستضعفا ذليلا ، فإنا لا نعلم أن العذاب كان واقعا الا بعبد أو عسيف ( الأجير ) أو لمن لا عشيرة له تمنعه . كما في شرح النهج للمعتزلي 13 : 255 .