يروون أنه دخل يوما على المنصور وبين يديه ابنه المهدي ، فقال له المنصور : أتعرف هذا يا بن إسحاق ؟ قال : نعم ، هذا ابن أمير المؤمنين : فقال : اذهب فصنف له كتابا منذ خلق الله آدم ( عليه السلام ) إلى يومك هذا . فذهب ابن إسحاق فصنف له الكتاب وأتاه به فلما رآه قال : لقد طولته يا بن إسحاق فاذهب فاختصره . فاختصره ، والقي الكتاب الكبير في خزانة الخليفة . وفي هذا المعنى روي عن ابن عدي الرجالي المعروف أنه كان يقول في ابن إسحاق : " لو لم يكن لابن إسحاق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن الاشتغال بكتب لا يحصل منها شئ للاشتغال بمغازي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومبعثه ومبتدأ الخلق لكانت هذه فضيلة سبق بها ابن إسحاق ، وقد فتشت أحاديثه الكثيرة فلم أجد ما تهيئ أن يقطع عليه بالضعف ، وربما أخطأ واتهم في الشئ كما يخطئ غيره . ولم يتخلف في الرواية عنه الثقات والأئمة الاثبات ، أخرج له مسلم في المبايعات ، واستشهد به البخاري في مواضع ، وروى له أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة " . ثم أصبح ابن إسحاق في الحقيقة عمدة المؤلفين في السيرة ، فما من كتاب في السيرة إلا وهو مستمد منه وراو عنه ، اللهم إلا ما نأتي عليه من مغازي الواقدي ورواية كاتبه ابن سعد عنه ، وما روي عن أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وكذلك أصبح كتاب ابن إسحاق عمدة الكتب في السيرة لقرائها منذ أن كتبه إلى يومنا هذا ولا سيما بعد تهذيبها من قبل ابن هشام - بحيث أنك لا تكاد تجد رجلا يدرس سيرة الرسول الكريم إلا وكتاب ابن إسحاق كتابه الأول والام في ذلك .