التدليس على التدليس المقيد بالقادح في العدالة ، وكذلك القدر والتشيع لا يقتضيان الرد إلا بضميمة أخرى لم نجدها هنا . والعجيب أنك لا تجد شيئا من هذا التشكيك في عبد الملك بن هشام مهذب سيرة ابن إسحاق ، فلو كان العيب في هذا الباقي من سيرة ابن إسحاق لشمل الشك ابن هشام أيضا . وعندئذ نطمئن إلى أن العيب ليس في هذا الباقي بل فيما قال عنه ابن هشام : " وتارك بعض ما يذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب . . . أشياء بعضها يشنع الحديث به ، وبعض يسوء بعض الناس ذكره ، وبعض لم يقر لنا البكائي بروايته ، ومستقص ما سوى ذلك " . وعندئذ تجد محور اتهام التشيع أيضا . وقد رأينا أنا إذا استثنينا هذين المتهمين بالتشيع لم يبق لعامة المسلمين شئ يذكر في السيرة ولا المغازي . وعندئذ ندرك أيضا أن السابقين الأولين إلى تدوين سيرة الرسول ومغازيه أي الصدر الأول من تأريخ الإسلام هم من شيعة أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) أو المقاربين لهم المتهمين بهم . نقد كتب السيرة : لعل النظر إلى تراث السلف الصالح - ولا سيما سيرة الرسول الكريم - بنظرة التقديس ، هو الذي أدى بالمؤلفين في السيرة على اختلاف طبقاتهم أن لا يقفوا موقف الناقد البصير ، فلم نر منهم من يعرض لما تحمله السيرة بين دفتيها من أخبار ضعيفة بعيدة عن الحقيقة لينقدها ويأتي على نقاط الضعف فيها ، فهذا ما حرمه هذا العلم في جميع أدواره السالفة إلى عهدنا هذا الأخير ، حيث أخذ المستشرقون والمتأثرون بهم يتناولون خبرا أو خبرين