بدوه إلى أن بنيت الكوفة فتناقص عمرانها : خمسمائة وبضعا وثلاثين سنة [1] ، ثم لم يزل عمرانها يتناقص إلى أيام المعتضد حيث استولى عليها الخراب . وكان جماعة من خلفاء بني العباس كالسفاح والمنصور والرشيد وغيرهم ينزلونها ويطيلون المقام بها ، لطيب هوائها وصفاء جوهرها وصحة تربتها وصلابتها ، وقرب الخورنق والنجف منها . وقد كان فيها أديرة كثيرة فيها كثير من الرهبان ، فلما تداعى الخراب إليها لحقوا بغيرها . قال المسعودي " وهي في هذا الوقت ليس بها إلا الصدى والبوم " [2] . غساسنة الشام : وفي القرن الخامس الميلادي هاجرت جماعات من أطراف الجزيرة إلى جهة شمالها الغربي بجوار حدود المملكة الرومية فأسسوا دولة الغساسنة التي كانت تحت حماية الامراء الروميين تبعا للقسطنطينية ، كما كان حكام الحيرة عمالا لملوك الفرس . وتحضرت دولة الغساسنة نوعا ما ، فهي كانت تجاور " دمشق " من ناحية ومدينة " بصرى " التأريخية من ناحية أخرى ، فهي كانت تحت تأثير الحضارة الرومية . وبما أن الغساسنة كانوا في خلاف مع مناذرة الحيرة اللخميين ومن ورائهم الفرس ، لذلك كانوا يوالون الرومانيين . وقد بلغ عدد
[1] وروي في الطبري عن الكلبي : ان الحيرة بنيت مع الأنبار على عهد بختنصر ( نبوخذنصر ) فلما هلك بختنصر تحول أهلها إلى الأنبار فخربت الحيرة ، إلى أن عمرت الحيرة مرة أخرى باتخاذ عمرو بن عدي اللخمي إياها منزلا لنفسه ، فعمرت الحيرة خمسمائة وبضعا وثلاثين سنة إلى أن وضعت الكوفة ونزلها الاسلام ( الطبري 2 : 43 ) [2] مروج الذهب 2 : 81 ط 2 .