طبيعة المجتمع وواقع كونه فئات وطبقات واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض ، ولا غنى ببعضها عن بعض . فمنها جنود الله . ومنها كتاب العامة والخاصة . ومنها قضاة العدل . ومنها عمال الإنصاف والرفق . ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس . ومنها التجار وأهل الصناعات . ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة . وكلا قد سمى الله سهمه ، ووضع على حده فريضته ، في كتابه أو سنة نبيه ( صلى الله عليه وآله ) عهداً منه عندنا محفوظاً ! فالجنود بإذن الله حصون الرعية ، وزين الولاة ، وعز الدين ، وسبل الأمن ، وليس تقوم الرعية إلا بهم . ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج ، الذي يقوون به في جهاد عدوهم ، ويعتمدون عليه فيما يصلحهم ، ويكون من وراء حاجتهم . ثم لا قوام لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاة والعمال والكتاب لما يحكمون من المعاقد ، ويجمعون من المنافع ، ويؤتمنون عليه من خواص الأمور وعوامها . ولا قوام لهم جميعاً إلا بالتجار ، وذوي الصناعات ، فيما يجتمعون عليه من مرافقهم ، ويقيمونه من أسواقهم ، ويكفونهم من الترفق بأيديهم ، ما لا يبلغه رفق غيرهم . ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم ومعونتهم ، وفي الله لكل سعة ، ولكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه . وليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله من ذلك ، إلا بالاهتمام والاستعانة بالله ، وتوطين نفسه على لزوم الحق ، والصبر عليه فيما خف عليه أو ثقل .