نام کتاب : مستدركات أعيان الشيعة نویسنده : حسن الأمين جلد : 1 صفحه : 33
أبي نواس - أدنى مانع من منادمتهم ، وله قطع كثيرة في امتداح مجالسهم وحلاوة شمائلهم وقد قال على لسان الخمر هذا البيت الأريحي الطرب : < شعر > ولا الأراذل ، الا من يوقرني من السقاة ، ولكن اسقني العربا < / شعر > . ( انتهى ) . والترجمة المنشورة في مكانها كان المؤلف قد أصدرها في كتاب خاص باسم ( أبو نواس ) ، وعند صدور الكتاب سنة 1948 كتب عنه الدكتور حسين مروة كلمة آثرنا نشرها هنا ) ( انتهى ) . مسكين أبو نواس ! لقد افترى عليه صانعو التاريخ أو لقد افترى عليه ناس غير صانعي التاريخ لأمر ما فأشاعوا في الأجيال أن أبا نواس رجل دعابة وعربدة وشهوة ليس غير وأن خصائصه جميعا تنتهي عند هذا « الثالوث » لا تتجاوزه إلى صفة من صفات العباقرة المرموقين في عصر من أرقى عصورنا العربية الغابرة ، حتى لقد بخل عليه هؤلاء المفترون بمزيته الكبرى : الشعر ، فإذا هم يلفقون عليه ألوانا من الكلام المنظوم لو كان قدر لأبي نواس أن يسمع أمثاله لغيره لاجتوت نفسه دنيا يقال فيها هذا اللون من الكلام الغث ثم يحسب هذا الكلام شعرا من الشعر فكيف له لو أنصت للأجيال بعده فإذا هو يسمع هذا الكلام منسوبا إليه مدخولا عليه مدسوسا في أعاجيب من القصص التافه الخليع يقصونها عنه افتراء وزورا ؟ ! لقد ظلم أبو نواس - إذن - فانطبعت عنه في أذهان العامة طوال الأجيال صورة شوهاء مزورة وتجاوزت هذه الصورة في الأجيال الأخيرة أذهان العامة إلى أذهان فريق كبير من المثقفين وأنصاف المثقفين ، وأعجب العجب في هذا أن يكتسب هذا الانطباع المزور عن أبي نواس صفة الأمر الواقع المسلم به حتى لقد اجترأ واضعو القصص السينمائية والمسرحيات على أن يطبعوا هذا الرجل العبقري الخالد بطابعه الشائه الزائف المفتري فإذا بهم يخرجونه على « الشاشة » أو على المسرح رجلا شانه التهريج والاضحاك والعربدة وإذا بجمهرة الناس مثقفين وغير مثقفين يشهدون أبا نواس على هذا الطابع ويأخذونه ماخذ المسلمات والبداءة ولا يثير فيهم غير بواعث المرح واللهو والمسلاة لكأنما صار ثابتا في الأذهان أن هذا هو أبو نواس الحق لا ذلك العالم الفقيه المحدث الفيلسوف الشاعر العبقري . وأي دليل على هذا الذي أقول أقوى من إهمال كتابنا المحدثين شان أبي نواس وهو أجدر أن ينال من دراساتهم التحليلية وأبحاثهم النقدية الحديثة نصيبا موفورا لأن شخصيته الأدبية تكاد تكون أغنى شخصيات الأدب العربي العباسي من حيث وفرة العناصر التي يأتلف منها هيكل الفن العظيم ومن حيث تعدد الجوانب التي يتسق بها لصاحب الفن شخصيته الممتازة ولو لا أبحاث عابرة نشرها الدكتور طه حسين في « حديث الأربعاء » عن هذا الرجل المفتري عليه لكان عصرنا الحديث ما يزال جاريا مجرى العصور السوالف في تجاهل أبي نواس الحق ولكن أيكفي لانصاف هذا الشاعر العظيم الذي ظلمته أجيال طوال أن يكتب عنه الدكتور طه حسين أبحاثا عابرة هي بالمقالات الصحفية الإنشائية أشبه ؟ لا : إن من حق أبي نواس أن تكثر عنه في هذا العصر المستنير الدراسات الطوال والأبحاث التحليلية العميقة والمؤلفات الضخمة المشبعة وأنه لعجيب مدهش حقا أن ينبري لانصافه قبل الأدباء والشعراء والنقاد المتوفرين لهذا الفن ، عالم كبير من علماء الدين منصرف إلى التأليف في شئون العلم ، وفي قضايا الدين وفي نواحي التاريخ الإسلامي فإذا هو يخص أبا نواس المسكين المظلوم المفترى عليه لا ببحث مستفيض فحسب ، بل بكتاب ضاف ، شامل مستوعب يجلو به شخصية أبي نواس العالم والشاعر والمثقف والمحدث ثم يجلو به تلك الشخصية التي انطبعت في أذهان العامة والمثقفين طوال الأجيال السابقة ، فإذا هي في هذا الكتاب الجديد ، شخصية جديدة ، تنكشف لنا عوامل تكوينها سافرة وإذا أبو نواس يبدو لنا من وراء هذه الشخصية صاحب دعابة وعربدة حقا ولكن لا عن زندقة ، ولا ضعف ولا استهتار ، ولا شهوة بل عن طبيعة نزاعة إلى الحرية تواقة إلى الخروج على القيود الموضوعة وهي طبيعة العبقري يتأبى على الأوضاع المألوفة أن تغل تفكيره أو تفرغ حياته في قالب جامد صلب لا يقبل التكييف والتجديد . لا : بل إنه لأكثر من عجيب مدهش أن يكون عالم ديني كبير كالسيد محسن الأمين المنصرف إلى كبار الشؤون الاصلاحية في الإسلام أسبق لانصاف الشاعر العبقري الخالد أبي نواس من ذوي الشعر والأدب والنقد من أعلام هذا العصر بل إن ذلك مما يثير الاعجاب والإكبار بهذه السماحة وهذه الرحابة في الفكر والعقلية وهما صفتان عرفنا علامتنا الأكبر السيد محسن الأمين يمتاز بهما لا بين رجال الدين حسب بل بين رائدي البحث العلمي المجرد وكاتبي التاريخ الخالص . هذا كتاب « أبو نواس » الذي أخرجه الامام الأمين أخيرا قد فرغت من قراءته خلال أيام أردت أن أفرغ فيها للراحة وحدها فإذا هو يستبد بي فأجد فيه راحة النفس ومتعة الذهن وحلاوة التأليف المحكم المتسلسل يحكي قصة شاعر عرف ألوانا مختلفات من الحياة في عصر عرف ألوانا متنوعة من الحضارات والعقليات والأذواق . وفي حياة أبي نواس مشاكل وعقد كثيرة لا تزال بكرا في عالم البحث والتحقيق منها عروبة الشاعر وشعوبيته المزعومة ومنها عقيدته ودينه وزندقته ومنها سلوكه الاجتماعي الذي لون حياته وشخصيته بتلك الألوان الشائهة المزيفة المزورة ومنها تمرده على المألوف من أوضاع أهل الأدب وعلى المصطلح من الأفكار الشائعة والتقاليد الأدبية المتبعة ومنها قصة التجديد الأدبي التي استطاعت أن تلفت الأذهان من بين ركام الزيف والتزوير والافتراء التي أحاطت بشخص الشاعر ولكن هذه القصة ظلت غامضة ذات مجاهيل كثيرة لم يتعرف إليها الرواد والباحثون ، ولم يضع أحد حتى الآن حدودا واضحة لألوان التجديد الأدبي الذي عرف به أبو نواس الشاعر . هذه المشاكل والعقد في شخصية الرجل استطاع كتاب « أبو نواس » أن يقتحمها جميعا ببساطة في الروح وعمق في البحث ، ودقة في الاستقصاء والتحقيق والتدقيق وبامانة في التاريخ لا نعرف لها مثيلا . ولقد خرجت أنا من هذا الكتاب بحقائق جديدة . ولقد تجلت لي شخصية أبي نواس بأوضح ما كنت أطلب أن تنجلي لي شخصية شاعر أحيطت بذاك الركام العجيب من الباطل . وقد شفع علامتنا الأكبر بحثه النفيس هذا بمختارات نفيسة من شعر الشاعر تصلح أن تكون أمثلة صادقة لكل نوع من أنواع الشعر التي عرف بالتجويد فيها أو بالإبداع . ولم تفت المؤلف - حفظه الله - ملاحظات نقدية بارعة استدرك بها على الناقدين أو المؤرخين أو مؤلفي كتب الشعر والأدب . وإنا لنتمنى على سماحته - وقد عرفنا فيه روح الباحث المدقق الأمين - أن يضيف إلى فضله هذا فضلا آخر بان يحقق ديوان أبي نواس تحقيقا علميا على الطريقة العلمية الحديثة التي نعرف أنه من أعلامها اليوم ، ثم يطبعه طبعة علمية محققة ، لأن ديوان هذا الشاعر كشخصيته قد افتري عليه ، ولحقه الزور والتشويه باشنع ما يلحق الزور والتشويه أمرا من الأمور فضلا
33
نام کتاب : مستدركات أعيان الشيعة نویسنده : حسن الأمين جلد : 1 صفحه : 33