نام کتاب : مروج الذهب ومعادن الجوهر نویسنده : المسعودي جلد : 3 صفحه : 331
فقال له رجل : والله ما أشبه الكوفة إلا بشابة صبيحة الوجه كريمة الحسب ولا مال لها ، فإذا ذكرت ذكرت حاجتها ، فكفَّ عنها طالبها ، وما أشبه البصرة إلا بعجوز ذات عوارض موسرة ، فإذا ذكرت ذكر يسارها ، وذكرت عوارضها ، فكفَّ عنها طالبها ، فقال الأحنف : أما البصرة فإن أسفلها قصَب ، وأوسطها خشَب ، وأعلاها رُطب ، نحن أكثر ساجاً وعاجاً وديباجاً ، ونحن أكثر قنداً ونقداً ، والله ما آتي البصرة إلا طائعاً ، ولا أخرج منها إلا كارهاً ، قال : فقام إليه شاب من بكر بن وائل فقال : يا أبا بحر ، بِمَ بلغت في الناس ما بلغت ؟ فو الله ما أنت بأجملهم ، ولا بأشرفهم [1] ولا بأشجعهم ، قال : يا ابن أخي ، بخلاف ما أنت فيه ، قال : وما ذاك ؟ قال : بتركي ما لا يَعْنيني كما عناك من أمري ما لا ينبغي أن يعنيك . قال المسعودي : ولابن دأب مع الهادي أخبار حِسَان يطول ذكرها ، ويتسع علينا شرحها ، ولا يتأتى لنا إيراد ذلك في هذا الكتاب ، لاشتراطنا فيه على أنفسنا الاختصار والايجاز بحذف الأسانيد وترك إعادة الألفاظ . ولأهل البصرة وأهل الكوفة ومن شرب من دجلة مناظرات كثيرة في مياههم ومنافعها ومضارها . منها ما عاب به أهل الكوفة أهل البصرة ، فقالوا : ماؤكم كَدِر زَهِك زَفِر ، فقال لهم أهل البصرة : من أين يأتي ماءنا الكَدَرُ وماء البحر صافٍ وماء البطيحة صافٍ ، وهما يمتزجان وسط بلادنا ؟ ! قال الكوفيون : من طباع الماء العذب الصافي إذا خالط ماء البحر صار جميعاً إلى الكدورة ، وقد يُرَوِّق الإنسان ماء أربعين ليلة ، فإن جعل منه شيئاً في قارورة أزْبَدَ وتكدَّر . وقد افتخر أهل الكوفة بمائهم - الذي هو الفرات - على ماء دجلة ، وهو ماء البصرة ! فقالوا : ماؤنا أعذب المياه وأغذاها ، وهو أصح للأجسام من ماء دجلة ، والفرات خير من النيل ، فأما دجلة فإن ماءها يقطع شهوة