قال : فأديب أنت ؟ قال : لا . قال : أفعالم أنت بأخبار العرب وبأشعارها ونوادرها ؟ قال : لا . قال : فوردت على الفضل بكتاب وسيلة ؟ قال : لا . قال يا أخا العرب ، لقد غرتك نفسك مثلك من يقصد الفضل وهو على ما عرفتك من جلاله بلا ذريعة ولا وسيلة ؟ قال : و الله يا أمير ما قصدته إلا لحسبه المعروف ولكرمه المألوف ، وببيتين من الشعر قلتهما . قال : يا أخا العرب ، أسمعني البيتين فإن كانا مما يصلح أن تلقى بهما الفضل أشرت عليك بلقائه ، وإن كانا مما لا يصلح أن تلقى بهما الفضل بررتك بشيء من مالي ورجعت إلي ناديتك ، ولم يخف نفسك ، ولم يستخف شعرك ، قال وتفعل ذلك لي أيها الأمير ، قال : نعم . قال : فإني والله الذي يقول : ألم تر أن الجود من لدن آدم * نجود حتى صار يملكه الفضل فلو أم طفل مسها جوع طفلها * وغذته باسم الفضل لاستعصم الطفل قال أحسنت والله : يا أخا العرب ، قال : فإن قال لك الفضل هذان البيتان قد مدحنا بهما شاعر غيرك وأخذ الجائزة عليهما : فأنشد غيرهما ما كنت قائلاً ؟ قال : اذن والله أقول يا أيها الأمير : قد كان آدم حين حان وفاته * أوصاك وهو يجود بالحواء ببنيه أن ترعاهم فرعيتهم * فكفيت آدم غيلة الأبناء قال أحسنت والله يا أخا العرب ، فإن قال لك الفضل وهذان البيتان أيضاً مسروقان ما كنت قائلاً ؟ قال : اذن والله أقول أيها الأمير . ملت جهابذ فضل دون نائله * ومل كاتبه إحصاء ما يهب لولاك فضل لم يمدح بمكرمة * خلق ولم يرتفع مجد ولا حسب قال : أحسنت والله يا أخا العرب ، فإن قال لك الفضل : و هذان البيتان أيضاً أخذتهما من أفواه الناس ، أنشدني غيرهما ، وقد رمقتك الأدباء بأبصارهم ، وامتدت إليك الأعناق فتحتاج أن تناضل عن نفسك ، ما كنت قائلاً ؟ قال : اذن والله أقول أيها الأمير : وللفضل صولات على صلب ماله * يرى المال فيه بالمذلة مذعنا ولو أن رب المال أبصر جوده * لصلى على مال الأمير وأذنا قال : أحسنت والله يا أخا العرب ، فإن قال لك الفضل : و هذان البيتان أيضاً مسموعان ، أنشدني غيرهما ، ماذا كنت قائلاً ؟ قال : اذن والله أقول أيها الأمير : ولو قيل للمعروف ناد أخا الندى * لنادى بأعلى الصوت يا فضل يا فضل