ولما بعث أبو مسلم الخراساني قحطبة بن شبيب الطائي لمحاربة يزيد بن هبيرة الفزاري عامل مروان بن محمد على العراقين ، وكان خالد بن برمك في جملة من كان معه ، فنزلوا في طريقهم بقربة بينما هم على سطح بعض دورها يتغدون ، إذ نظروا إلى الصحراء وقد أقبلت منها أقاطيع الوحوش من الظباء وغيرها حتى كادت تخالط العسكر ، فقال خالد لقحطبة : أيها الأمير ناد في الناس ومرهم يسرجوا ويلجموا قبل أن يهجم عليهم الخيل ، فقام قحطبة مذعوراً فلم ير شيئاً يروعه ، فقال : يا خالد ما هذا الرأي ؟ فقال : قد نهز إليك العدو أما ترى أقاطيع الوحش قد أقبلت إن وراءها لجمعاً كثيفاً ، فما ركبوا حتى رأوا الغبار ، ولولا خالد لهلكوا ، وأما يحيى فإنه كان من النبل والعقل وجميل الخلال على أكمل حال ، وكان المهدي قد ضم إليه ولده هارون الرشيد وجعله في حجره ، فلما استخلف هارون عرف له حقه ، وقال له : يا أبت أجلستني في هذا المجلس وببركتك ويمنك وحسن تدبيرك وقد قلدتك الأمر ، ودفع له خاتمه ، وفي ذلك يقول المولى الموصلي : ألم تر أن الشمس كانت سقيمة * فلما ولي هارون أشرق نورها بيمن أمين الله هارون ذي الندا * فهارون واليها ويحيى وزيرها وكان يعظمه إذا ذكره ، ويجعل إصدار الأمور وإيرادها إليه ، إلى أن نكب البرامكة ، فغضب عليه وخلده في الحبس إلى أن مات فيه ، وقتل ابنه جعفر حسب ما تقدم شرحه في ترجمته ، وكان من العقلاء الكرماء البلغاء . ومن كلامه ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها : الهدية والكتاب والرسول ، وكان يقول لولده : اكتبوا أحسن ما تسمعون ، واحفظوا أحسن ما تكتبون ، وتحدثوا بأحسن ما تحفظون . وقال الفضل بن مروان : سمعت يحيى بن خالد يقول من لم أحسن إليه فأنا مخير فيه ، ومن أحسنت إليه فأنا مرتهن له . وقال القاضي يحيى بن أكثم : سمعت المأمون يقول : لم يكن ليحيى بن خالد ولولده أحد كفؤاً في الكتابة والبلاغة والجود والشجاعة ، ولقد صدق القائل حيث يقول : أولاد يحيى أربع كأربع الطبائع * فيهم إذا اختبرتهم طبائع الصنائع قال القاضي : فقلت له يا أمير المؤمنين ، أما الكتابة والبلاغة والسماحة فتعرفها بقي الشجاعة ، فقال : في موسى بن يحيى ، ولقد رأيت أن أوليه ثغر السند . وحكى إسحاق النديم ، قال كانت صلاة يحيى بن خالد إذا ركب لمن تعرض له مائتي