يقدر أحد أن يتخلف عن الرحيل والنزول إلا أعوان الوزير المذكور ، فوقف عليهم يوماً وقد أرحل الناس وهم على طعام يأكلون ، فقال لهم : ما منعكم أن ترحلوا برحيل أمير المؤمنين ؟ فقالوا له : انزل يا ابن اللخناء وكل معناه . فقال لهم : هيهات ذهب ذلك ثم أمرهم فجلدوا بالسياط ، وطوف بهم في العسكر ، وأمر بفساطيط الوزير فأحرقت بالنار ، فدخل الوزير على عبد الملك شاكياً باكياً ، فقال : علي به ، فلما دخل عليه قال ما حملك على ما فعلت ؟ فقال : أنا ما فعلت شيئاً ، قال : فمن فعل ؟ قال أنت فعلت أنا يدي يدك وسوطي سوطك وما على أمير المؤمنين أن يعوض عن ذلك ولا يكسرني فيما قدمني له فعوض الوزير ما ذهب له ، وكان ذلك أول ما عرف من كفاية الحجاج وسطوته ، ثم كان له في سفك الدماء والعقوبات غرائب لم يسمع بمثلها . ويقال إن زياد ابن أبيه أراد أن يتشبه بعمر بن الخطاب في ضبطه الأمور والقيام بالسياسات فاسرف وتجاوز الحد ، وأراد الحجاج أن يتشبه بزياد فأهلك ودمر ، فأهلكه الله ودمره . وفي السنة المذكورة توفي الإمام الكبير السيد الشهير العبد الصالح سعيد بن جبير الأسدي مولاهم المقري الفقيه المحدث المفسر ، قتله الحجاج كما تقدم في شهر شعبان . وكان أحد علماء التابعين ، أخذ العلم عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر ، فقال له ابن عباس : حدث . فقال : أحدث وأنت هاهنا ؟ ! فقال : أليس من نعمة الله عليك أن تحدث وأنا هاهنا : فإن أصبت فداك ، وإن أخطأت علمتك ، وكان لا يستطيع أن يكتب مع ابن عباس في الفتيا ، فلما عمي ابن عباس كتب وأخذ عنه أيضاً القراءة عرضا وسمع منه التفسير ، وأكثر روايته عنه ، وروي أنه قرأ القرآن في ركعة في البيت الحرام ، وعن بعض السلف قال : كان سعيد بن جبير يؤمنا في شهر رمضان فيقرأ ليلة بقراءة ابن مسعود وليلة بقراءة زيد بن ثابت وليلة بقراءة أخرى وهكذا أبداً . وقال وفاء بن إياس قال لي سعيد بن جبير في رمضان أمسك علي القرآن فما قام من مجلسه حتى ختم ، وقال بعضهم كان أعلم التابعين بالطلاق سعيد بن المسيب ، وبالحج عطاء ، وبالحلال والحرام طاوس ، وبالتفسير مجاهد ، وأجمعهم لذلك سعيد بن جبير ، رحمة الله عليهم . وذكر الإمام أبو نعيم الأصفهاني في تاريخ أصفهان أنه دخلها وأقام بها مدة ، ثم ارتحل منها إلى العراق ، وروى محمد بن حبيب أنه كان بأصفهان يسألونه عن الحديث ولا يحدث ،