كثيف من المغول والمقدم عليهم باجو إلى تكريت ، ليعبروا من هناك إلى الجانب الغربي ويقصدوا بغداد من غربيها ، ويقصدها العسكر السلطاني من شرقيها ، فلما عبر عسكر باجو من تكريت وانحدر إلى أعمال بغداد أجفل الناس من دجيل والإسحاقي ونهر ملك ونهر عيسى ، ودخلوا إلى المدينة بنسائهم وأولادهم ، حتى كان الرجل أو المرأة يقذف بنفسه في الماء ، وكان الملاح إذا عبر أحداً في سفينة من جانب إلى جانب يأخذ أجرته سواراً من ذهب أو طرازاً من زركش ، أو عدة من الدنانير ! فلما وصل العسكر السلطاني ( هولاكو ) إلى دجيل وهو يزيد على ثلاثين ألف فارس خرج إليه عسكر الخليفة صحبة مقدم الجيوش مجاهد الدين أيبك الدويدار ، وكان عسكراً في غاية القلة فالتقوا بالجانب الغربي من بغداد قريباً من البلد فكانت الغلبة في أول الأمر لعسكر الخليفة ، ثم كانت الكرة للعسكر السلطاني فأبادوهم قتلاً وأسراً وأعانهم على ذلك نهر فتحوه في طول الليل ، فكثرت الوحول في طريق المنهزمين فلم ينج منهم إلا من رمى نفسه في الماء ، أو من دخل البرية ومضى على وجهه إلى الشام ! ونجا الدويدار في جمعية من عسكره ووصل إلى بغداد . وساق باجو حتى دخل البلد من جانبه الغربي ووقف بعساكره محاذي التاج ، وجاست عساكره خلال الديار ( دون مقاومة ) وأقام محاذي التاج أياماً . في يوم الخميس رابع محرم من سنة ست وخمسين وستمائة ، ثارت غبرة عظيمة شرقي بغداد على درب بعقوبا بحيث عمت البلد ، فانزعج الناس من ذلك وصعدوا إلى أعالي السطوح والمناير يتشوفون ، فانكشفت الغبرة عن عساكر السلطان وخيوله ولفيفه وكراعه وقد طبق وجه الأرض وأحاط ببغداد من جميع جهاتها ، ثم شرعوا في استعمال أسباب الحصار ، وشرع العسكر الخليفي في المدافعة والمقاومة ( لا يصح ) إلى اليوم التاسع عشر من محرم . فلم يشعر الناس إلا ورايات المغول ظاهرة على سور بغداد من برج يسمى برج العجمي من ناحية باب من أبواب بغداد يقال له باب كلواذى ، وكان هذا البرج أقصر أبراج السور وتقحَّمَ العسكر السلطاني هجوماً