واحد منها ألف باب ولكل باب ألف مفتاح ! وكلها أصول وأسرارٌ لا يمكن للإنسان العادي أن يستوعبها أو يؤتمن عليها ثم لا يسئ استعمالها ! فهذا المستوى من الإستيعاب والأمانة والتحمل لا يتحقق إلا في أشخاص نادرين يكونون أهلاً لأن يصطفيهم الله تعالى ، فيطوِّر قدراتهم العقلية والنفسية لتلقي هذه العلوم ! ثم يجعل الله مع الواحد منهم ملائكة يحفظونه ويحفظون هذه الأسرار ، ليعيش حياته الطبيعية بالعلم الظاهري ويستعمل طرفاً من العلم اللدني في وقته المناسب ! وهذا معنى قوله تعالى : عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أحداً إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فإنه يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً . فالمرتضى من ربه من رسول أو وصي يتحمل غيب الله تعالى ، ويخصص له الله ملائكةً يسددونه حتى لا يتضرر بالغيب الإلهي ولا يستعمله إلا في الغرض الصحيح ! وقد سأل حمران بن بكير الإمام الباقر عليه السلام عن الغيب في هذه الآية فأجابه : ( إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فإنه يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ، وكان والله محمدٌ ممن ارتضى . وأما قوله : عَالِمُ الغَيْب ، فإن الله تبارك وتعالى عالم بما غاب عن خلقه فما يقدِّر من شئ ويقضيه في علمه قبل أن يخلقه وقبل أن يقضيه إلى الملائكة ، فذلك يا حمران علمٌ موقوف عنده إليه فيه المشية فيقضيه إذا أراد ، ويبدو له فيه فلا يمضيه . فأما العلم الذي يُقَدِّرُهُ الله ويُمضيه فهو العلم الذي انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه و آله ثم إلينا ) . ( بصائر الدرجات / 133 ) . ولهذا يصف الإمام الباقر عليه السلام ضحالة مصادر علماء السلطة فيقول : ( يَمُصُّونَ الثَّماد ويَدَعُونَ النهر العظيم ! قيل له : وما النهر العظيم ؟ قال : رسول الله صلى الله عليه و آله ! إن الله عز وجل جمع لمحمد سنن النبيين من آدم وهلمَّ جرَّاً إلى محمد صلى الله عليه و آله . قيل له : وما تلك السنن ؟ قال : علم النبيين بأسره ! وإن رسول الله صلى الله عليه و آله صيَّر ذلك كله