ثم يقولون لك إن من يتولونهما هم الأكثرية وعلى الأقلية أن تطيع الأكثرية ! وهو كلام ظاهره حقٌّ وباطنه باطل ، لأن نتيجته : مصادرة قناعتك وعقيدتك ومصادرة أرادتك ومصيرك ! تقول لهم : يا مسلمين ألا يوجد عندكم حلٌّ آخر ، يضمن وحدتنا ويرضيكم ولا يسلبني ما منحني ربي من حرية التفكير والتعبير والاعتقاد والعبادة ؟ يقولون : لا ، لا يوجد إلا ما قلنا لك ! إن الخطأ في هذا المنطق أنه يحصر مشاريع الوحدة الإسلامية والإنسانية في الإجبار على مذهب الحاكم ! وهي الوحدة التي طبقها الخلفاء بعد النبي صلى الله عليه و آله أبو بكر وعمر وعثمان وبنو أمية وبنو العباس ، ثم دولة الأدارسة في المغرب ، والأمويين في الأندلس ، والمماليك في مصر ، ودولة أبناء عثمان جُق ! وهي الوحدة التي يتبناها الوهابيون وكل الإسلاميين أصحاب مشروع الخلافة في عصرنا ، وتقوم على أساس الغلبة القبلية والقهر ، وفرض البيعة بالقوة بلا شورى ولا انتخاب ولا حق في الامتناع عن الرأي ! وبكلمة : على أساس مصادرة حرية كل من خالف الحاكم ! إنهم يريدون إعادة دورة النظام القرشي الذي أنتجته السقيفة وقمعت به الأنصار وأهل البيت عليهم السلام ، فكان نتيجته أن تَسَلَّطَ بنو أمية ، ثم كانت ردة الفعل فتسلط بنو عباس ، ثم تسلط العسكر من المماليك والأتراك ، حتى دفنت الخلافة العثمانية في استانبول ، بأيدي الغربيين ومساعدة الوهابيين ! أما مذهب أهل البيت عليهم السلام فيقدم مشروعاً للوحدة بين المسلمين أنفسهم أو بينهم وبين غيرهم ، هو الوحدة السياسية التي تخلو من القهر والغلبة ، وتحترم حرية الإنسان المسلم التي قررها له الإسلام ، في التفكير والبحث والاجتهاد ،