في خمسين ومائة ألف ، وقد سربوا عسكرهم إلى حلوان وخانقين وجلولاء ، وليست لهم همة إلا المدائن والكوفة ، ولئن وصلوا إلى ذلك ، فإنها بلية على الإسلام وثلمة لا تسد أبداً ، وهذا يوم له ما بعده من الأيام . فالله الله يا معشر المسلمين ، أشيروا عليَّ رحمكم الله ، فإني قد رأيت رأياً غير أني أحب أن لا أقدم عليه إلا بمشورة منكم ، لأنكم شركائي في المحبوب والمكروه ! قال : وكان أول من وثب على عمر بن الخطاب وتكلم طلحة بن عبيد الله فقال : يا أمير المؤمنين ، إنك بحمد الله رجل قد حنكته الدهور وأحكمته الأمور وراضته التجارب في جميع المقانب ، فلم ينكشف لك رأي إلا عن رضى ، وأنت مبارك الأمر ميمون النقيبة ، فنفذنا ننفذ ، واحملنا نركب ، وادعنا نجب . قال : ثم وثب الزبير بن العوام فقال : يا أمير المؤمنين ، إن الله تبارك وتعالى قد جعلك عزاً للدين وكهفاً للمسلمين ، فليس منا أحد له مثل فضائلك ، ولا مثل مناقبك ، إلا من كان من قبلك ، فمد الله في عمرك لأمة نبيك محمد ( صلى الله عليه وآله ) ! وبعد ، فأنت بالمشورة أبصر من كل من في المسجد ، فاعمل برأيك ، فرأيك أفضل ، ومرنا بأمرك فها نحن بين يديك . فقال عمر : أريد غير هذين الرأيين . قال : فوثب عبد الرحمن بن عوف الزهري ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن كل متكلم يتكلم برأيه ، ورأيك أفضل من رأينا ، لما قد فضلك الله عز وجل علينا ، وأجرى على يديك من موعود ربنا ، فاعمل برأيك واعتمد على خالقك وتوكل على رازقك ، وسر إلى أعداء الله بنفسك ونحن معك ، فإن الله عز وجل ناصرك بعزه وسلطانه ، كما عودك من فضله وإحسانه .