على أن هذا الموقف من أبي بكر كان سياسةً ، لأنه كان يخالف عمر أحياناً ويصر على مخالفته ، وقد يوبخه ويشد بلحيته ! بينما يلين له أحياناً ويطيعه ، حتى يقول إنه هو الخليفة لو شاء ! ولا يتسع المجال لبحث أوجه العلاقة بينهما . على أي حال ، واصل أبو بكر الليونة مع علي ( عليه السلام ) حتى وصل الأمر إلى تكرار اعتذاره منه لأنه أخذ الخلافة ، ووعده بأنه سيستخلفه . وقد تقدم قول علي ( عليه السلام ) : « فإن القائم بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يلقاني معتذراً في كل أيامه ، ويلوم غيره ما ارتكبه من أخذ حقي » ! وقال ( عليه السلام ) في خطبته الشقشقية : « فيا عجباً ، بينا هو يستقيلها في حياته ، إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لشدَّ ما تشطَّرا ضرعيها » ! ( نهج البلاغة : 1 / 36 ) . والمعنى : أنهما من زمن طويل كانا يعملان ويتقاسمان حليب الناقة ! لكن أبا بكر شعر بالحاجة إلى علي ( عليه السلام ) لما ضاقت عليه الأمور وتحرك طليحة نحو المدينة بألوف المقاتلين ، وعسكروا في ذي القَصَّة على مرحلة من المدينة ، وجاء وفدهم يطلب منه إسقاط الزكاة عنهم وإلا هاجموا المدينة ! فخاف هو وعمر ، وقال له عمر : إقبل من طليحة ما يريد فلا طاقة لك بحربه ! لكن أبا بكر كان يشعر أن تنازله للقبائل يزيد في طمعهم ، ويحرك عليه اعتراض المسلمين ، فيعتبرون أنه انحرف عن سنة النبي ( صلى الله عليه وآله ) . لذلك كان يتمنى أن يوجد حوله فرسان قادة ، خاصة علي ( عليه السلام ) !