نام کتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا نویسنده : أحمد بن علي القلقشندي جلد : 1 صفحه : 110
من خدمته ، ولا يحدّث نفسه بأنه متى وجد أنفع منه عدل إليه ، ولا أن يرتّب له جهة أخرى يجعلها مقدّمة لأمر يترقّبه : لما في ذلك كله من الخروج عن حدّ الإخلاص المقدّم وجوبه . وأمّا في حال انصراف الدولة عن صاحبه ، فإنه لا يباينه مباينة المساعد للزمان عليه ، الموافق للمقادير فيه ، ولا يخونه عند حاجته إليه ، ولا يضيع حقوقه عنده وصنائعه لديه ، ولا ينحاز بكلَّيّته إلى من أقبلت أمور السلطان عليه ؛ فإن ذلك مما يدل على خبث السجيّة ومقابلتها على الإحسان بالإساءة ، واستعمال العقوق ، واطَّراح الحقوق . ومنها : مجانبة الإدلال إذ الدالَّة على السلطان والرئيس من أعظم مصارع التّلف ، وأقرب الأشياء إلى زوال النعم ، ولأجلها هلك من هلك من بطانة السلطان وخاصته ووزرائه ؛ وفي قصصهم عبرة لمن أنعم النظر في تأمّلها . وعليه أن يعوّل في الاعتداد بخدمه ونصائحه له على اشتهارها وظهورها ، ولا يفيض في تعديدها وذكرها ، ولا يواصل التثقيل بأغراضه والإلحاف بأسئلته ، ولا يظهر التشحّب عند التقصر به ، ولا الغضب اتّكالا على سالف خدمة ، وقليل حرمة ؛ وأن يتناسى ما أسلفه من الخدمة والصحبة ، ويكون في كل حال عارفا بعوارفه ، معتدّا بفواضله ، موجبا الفروض له لا عليه ، فإن السلطان مجبول على أنفة النفس وعزّتها ، ولا يحتمل التنازل لأحد : لتنزيله الكلّ منازل الخدم والأرقّاء ، واعتقاده أنه سبب النعمة السابغة على الكافّة ، وثقته بوجود العوض عمّن يفقده من الأعوان والأصحاب ، ومثابرة الناس على خدمته والانتساب إلى متابعته لما يصلون إليه من الحظوة ، وينالونه من الجاه والثورة . وإن كان في باطن حاله على خلاف ما يؤثر ، أظهر الشكر والاعتداد وتلطَّف في بلوغ الغرض بأحسن تعريض ، ولم يطلق قلمه كاتبا ، ولا لسانه مخاطبا ؛ فإن ذلك إزراء على همة المصحوب ، ودلالة على إخلاله بتفقد الصاحب ، لكن يذكر النعمة وسبوغها ، والمنّة وشيوعها ، ويسأل الزيادة فيها ومضاعفتها . فإن ذلك يقضي ببلوغ آماله ، وسداد أموره ، وسهولة مطالبه ؛ وإذا زاده السلطان رفعة وتشريفا ازداد له تعظيما وتوقيرا . وإذا بسط يديه أن
110
نام کتاب : صبح الأعشى في صناعة الإنشا نویسنده : أحمد بن علي القلقشندي جلد : 1 صفحه : 110