خطب يستقبله ، ويدهشه كلّ أمر يتجدّد له . ووجدت هذا النمط من الأخبار مغمورا بالأخبار التي تجرى مجرى الأسمار والخرافات التي لا فائدة فيها غير استجلاب النوم بها ، والاستمتاع بأنس المستطرف منها ، حتى ضاع بينها ، وتبدّد في أثنائها ، فبطل الانتفاع به ، ولم يتصل لسامعه وقارئه اتصالا يربط بعضه بعضا ، بل تنسى النكتة منها قبل أن تجيء أختها ، وتتفلَّت [1] من الذهن قبل أن تقيّدها نظيرتها ، ويشتغل الفكر بسياقة خبرها دون تحصيل فائدتها . فلذلك ، جمعت هذا الكتاب ، وسمّيته تجارب الأمم . وأكثر الناس انتفاعا به وأكبرهم حظَّا منه ، أوفرهم قسطا من الدنيا ، كالوزراء ، وأصحاب الجيوش ، وسوّاس المدن ، ومدبّرى أمر [5] العامّة والخاصّة . ثم سائر طبقات الناس . وأقلّ الناس حظَّا ، لا يخلو [2] أن ينتفع به في سياسة المنزل ، وعشرة الصديق ، ومداخلة الغريب ، ولا يعدم مع ذلك ، أنس السمر الذي يوجد في القسم الآخر الذي اطَّرحناه . وبعد ، فلو كان الخادم لا يتقرّب إلَّا بما يعزّ وجوده عند سلطانه ، ولا يلطف في الخدمة إلَّا بما لا يجد مثله ، لانقطعت أسباب الهدايا والتحف ، وارتفعت الملاطفات بالآداب والطرف [3] ، ولا سيما عند من كان في علوّ الهمّة ، وتوقّد القريحة ، وحفظ الآداب ، وسياسة الملك والرعيّة في الخير ، على ما عليه الملك السيّد ، أدام الله سلطانه [4] . وأنا مبتدئ بذكر الله ومنّته ، بما نقل إلينا من الأخبار بعد الطوفان ، لقلَّة الثقة بما كان منها قبله ، ولأنّ ما نقل [ إلينا ] [ 5 ] أيضا لا يفيد شيئا مما عزمنا على ذكره [ 6 ]
[1] . مط : وتنقلت . [2] . رسم الأصل : لا يخلوا . [3] . مط : والطرق . الطرفة : كلّ شيء مستحدث عجيب . [4] . مط : ظلاله . [5] . إلينا : أضفناها عن مط .