وكوتب عمر بفتح جلولاء ونزول القعقاع حلوان ، واستأذنوه في اتّباعهم ، فقال : - « وددت أن بين السواد وبين الجبل سدّا من نار لا يخلصون إلينا ولا نخلص إليهم . حسبنا من الريف السواد . إني قد آثرت سلامة المسلمين على الأنفال . » وبعث بالأخماس مع جماعة فيهم زياد بن أبي سفيان ، وكان هو الذي يكتب للناس ويدوّنهم . فلمّا قدموا على عمر ، كلَّم زياد عمر فيما جاء له من الاستيذان في التقدّم ، ووصف له الحال . فقال عمر : « هل تستطيع أن تقوم في الناس بمثل الذي كلَّمتنى به ؟ » فقال : « والله ، ما على الأرض شخص أهيب في صدري منك ، فكيف لا أقوى [ 400 ] على هذا من غيرك ! » فقام في الناس بما أصابوا ، وبما صنعوا ، وبجميع ما يستأذنون فيه من الإنسياح في البلاد . فقال عمر : « هذا الخطيب المصقع . » وقال : « إنّ جندنا بالفعال أطلقوا ألسنتنا بالمقال . » [1] ثمّ إنّ عمر لما نظر إلى الأخماس المحمولة من جلولاء قال : - « والله ، لا يحمّنّه سقف بيت حتّى أقسمه . » فبات عبد الرحمان بن عوف ، وعبد الله بن الأرقم يحرسانه في سقف المسجد . فلمّا أصبح جاء في الناس ، فكشف عنه الأنطاع . فلمّا نظر إلى ياقوته ، وزبرجده ، وجوهره ، بكى . فقال له عبد الرحمان : - « ما يبكيك يا أمير المؤمنين ؟ فوالله ، إنّ هذا لموطن شكر وسرور . »