بنيّاتكم قبل أن تحصدكم [1] الدنيا ، ألا إنّى قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم . » فقالوا جميعا : - « عزم الله لنا ولك على الرشد . » فندب سعد الناس إلى العبور ، فقال : - « من يبدأ ويحمى لنا الفراض حتى لا يتلاحقوا [2] ويلحق الناس ، فلا يمنعوا من الخروج من الماء ؟ » . فانتدب له عاصم بن عمرو وجماعة من ذوى البأس . ثمّ انتدب بعدهم ستمائة من أهل [ 386 ] النجدات . فاستعمل عليهم عاصما ، فسار فيهم حتى وقف على شاطئ دجلة ، وقال : - « من ينتدب معي لمنع الفراض من عدوّكم لنحميكم حتى تعبروا ؟ » فانتدب له ستون ، فجعل نصفهم على خيول إناث ، ونصفهم على ذكورة . ثمّ اقتحموا دجلة ، واقتحم بقيّة الستمائة على أثرهم . فكان أول من فصل من الستمائة ، رجل يعرف بأصمّ التيم وشرحبيل وعدّة من معه . فلمّا رآهم الفرس وما صنعوا ، أعدّوا للخيل التي عبرت مثلها ، فاقتحموا دجلة فأعاموها إليهم . فقال عاصم وقد لقوه في السرعان وقد دنا من الفرضة : - « الرماح ، الرماح أشرعوها ، وتوخّوا بها العيون » . فالتقوا ، وتوخّى المسلمون عيونهم . فولَّوا بأجمعهم والمسلمون يشمّصون [3] بهم خيلهم ما يملك رجالها منع شيء منها ، فلحقوهم في الجدّ فقتلوا عامّتهم ، ونجا من نجا منهم عورانا ، وتزلزلت بهم الخيل ، وتلاحق الستمائة بأوائلهم الستين
[1] . في الطبري : تحصركم ، تحصدكم ، تخضدكم . [2] . في الأصل ومط : لا يتلاحقون . [3] . الطبري : يشمسون ( 5 : 2433 ) .