الناس ، ولم تلقهم حرب قطَّ مثلها [ 303 ] من حرب العرب . فاقتتل الناس قتالا شديدا حتى انهزم المسلمون ، وخاضوا إلى فسطاط خالد ، فزال خالد عنه ، وأسلم امرأته أمّ تميم ، فرعبلوا [1] الفسطاط بالسيوف . ثم إنّ المسلمين تداعوا وتبرّأوا إلى الله ممن انهزم ، وجالدوا حتى قتل زيد بن الخطَّاب وعدّة من خيار الناس ، وخلصوا [2] إلى محكّم اليمامة [3] ، وكان سيّدا فيهم ، فقاتل قتالا شديدا حتى قتل ، وزحف المسلمون ، واشتدّ القتال . فكانت يومئذ سجالا إنّما يكون مرّة على المسلمين ، ومرّة على الكافرين . واستحرّ القتال في المهاجرين والأنصار ، وثبت مسيلمة ، ودارت رحاهم عليه . فعرف خالد بن الوليد أنّها لا تركد إلَّا بقتل مسيلمة ، ولم تحفل بنو حنيفة بقتل من قتل منهم . فبرز خالد حتّى إذا كان أمام الصفّ دعا إلى البراز ، وانتمى وقال : - « أنا ابن الوليد العود ، أنا ابن عامر وزيد . » فجعل لا يبرز له أحد إلَّا حطَّمه وقتله . ودارت عليه رحى المسلمين فطحنت . ثم دنا خالد من مسيلمة ، فدعاه مناديا بأعلى صوته [ 304 ] ليطلب غرّته [4] ، وذلك لما علم أنّ الحرب لا تزول إلَّا بزواله ، فأجابه مسيلمة . فعرض عليه أشياء مما يشتهى مسيلمة ، ثم قال له : - « إن قبلنا النصف ، فأىّ الأنصاف تعطينا ؟ » فكان إذا همّ بجوابه ، أعرض عنه مستشيرا شيطانه ، فكان شيطانه ينهاه أن يقبل ، فأعرض بوجهه مرّة من ذلك ، فركبه خالد فأرهقه ، فأدبر ، وزالوا ، فذمر خالد الناس ، وقال : - « دونكم لا تقيلوهم . »
[1] . رعبل : قطع ، مزّق . [2] . خلص إلى الشيء : وصل . [3] . وفي الطبري : خلَّصوا إلى محكّم اليمامة وهو محكّم بن الطفيل ( 4 : 1943 ) . [4] . فدعا مسيلمة طلبا لعورته ( الطبري 4 : 1948 ) .