المسلمين همسا ولا حسّا حتّى وضعوا فيهم السيوف . فما ذرّ [1] قرن الشمس حتّى ولَّوهم الأدبار وغلبوهم على عامّة ظهرهم ، وقتل رئيسهم حبال وكان صاحب طليحة ، واتبعهم أبو بكر - فكان أول فتح - فلما بلغ ذا القصة وضع بها النعمان بن مقرّن في عدد ، ورجع إلى المدينة ، فذلّ المشركون وعزّ المسلمون بوقعة أبى بكر - رضي الله عنه - فوثب بنو ذبيان وعبس على من فيهم من المسلمين فقتلوهم كلّ قتلة ، وفعل من وراءهم فعلهم . فحلف أبو بكر ليقتلنّ في كل قبيلة قتلة من قتلوا وليزيدنّ وليفعلنّ وليصنعنّ [2] . فوفى بذلك ، فازداد المسلمون ثباتا على دينهم وتفرّق [ 296 ] أمر المشركين ، وطرقت المدينة صدقات صفوان والزبرقان وعدىّ . فاستبشر لذلك أبو بكر والمسلمون ، وذلك لستّين يوما من خروج أسامة . ثم قدم أسامة واستخلفه أبو بكر على المدينة وقال له ولجنده : « أريحوا واستريحوا . » ثم خرج بنفسه مع الذين كانوا على الأنقاب ، فقال له المسلمون : - « ننشدك الله أن تعرّض نفسك ، فإنّك إن تصب لم يكن للناس نظام . ومقامك أشدّ على العدوّ . فابعث رجلا إن أصيب أمّرت آخر . » فقال : « لا والله حتّى أواسيكم بنفسي . » فخرج في تعبئته إلى ذي القصة والنعمان وأصحابه على ما كانوا عليه ، حتى نزل على أهل الربذة بالأبرق . فاقتتلوا ، فهزم القوم وأخذ الحطيئة أسيرا ، وطارت عبس وبنو بكر . فأقام أبو بكر على الأبرق أيّاما وقد غلب بنى ذبيان على البلاد ، وقال : - « حرام على بنى ذبيان البلاد أن يطأوها بعد أن غنّمناها الله . »
[1] . فما ذرّ قرن الشمس : فما طلعت . [2] . مط : ولينصحنّ .