- « إذا رأيتم القوم فاكسروا جفون [1] سيوفكم ، وشدّوا شدّة رجل واحد عليهم . » فلمّا استقبل خيل رسول الله ، صلَّى الله عليه - وكان يومئذ اثنى عشر ألفا ، منهم عشرة آلاف فتحوا مكة ، وألفان ممن أسلم وانضاف إليهم بوادي حنين - انحدروا في واد من أودية تهامة أجوف ، إنّما ينحدرون [2] فيه انحدارا ، وذلك في عماية [3] من الصبح ، وكان القوم قد سبقوا إلى الوادي [4] ، فكمنوا في شعابه وأحنائه ومضايقه ، وتهيّئوا وأعدّوا . فما راع خيل رسول الله - عليه السلام - وهم منحطَّون ، إلَّا الكتائب ، قد شدّت عليهم ، فانشمروا [5] لا يلوى أحد على أحد . و انحاز رسول الله - صلى الله عليه - ذات اليمين وصاح : - « أيّها الناس ، أين ؟ هلمّوا إلىّ ، أنا رسول الله ، [ 283 ] أنا محمد بن عبد الله . » وبقي مع النبىّ - صلى الله عليه - نفر من أهل بيته ، فيهم علىّ بن أبي طالب ، والعباس ، وابنه الفضل ، وجماعة من المهاجرين [6] . فقال رسول الله - صلى الله عليه - للعباس : - « اصرخ : يا معشر الأنصار ، يا أصحاب السمرة [7] . » فأجابوه من كل ناحية وحملوا على الناس فكانت إيّاها . [8] وقتل علىّ بن أبي طالب - عليه السلام - صاحب الراية ، وقتل خيل مالك بن عوف كلّ مقتلة ، وغنم المسلمون تلك الأموال ، وسبوا النساء والأولاد ، وقتل دريد . وكان عدّة السبي يومئذ من هوازن ستّة آلاف من النساء والأولاد . فلمّا قدمت وفود هوازن على النبىّ - عليه السلام - مسلمين ، أعتق لهم
[1] . الجفون : جمع الجفن والجفن ، أي : الغمد . [2] . مط : انحدورا . [3] . في عماية من الصبح : في ظلام منه . [4] . مط : واد . [5] . انشمر : مرّ جادّا ومضى : هرب . [6] . وفي بعض الأصول : والأنصار . [7] . مط : الشجرة . والسمرة : الشجرة التي كانت تحتها بيعة الرضوان عام الحديبية . [8] . الضمير في « كانت » يرجع إلى « الحملة » المفهومة من « حملوا » أي كانت هي هي ، وانتهى كلّ شيء ( أنظر اللسان ، « إيّا » ) .