فقالت بنو قريظة [1] حين أدّت إليهم الرسل : - « إنّ الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود [ 278 ] لحقّ . ما يريد القوم إلَّا أن يقاتلوا . فإن وجدوا فرصة انتهزوها ، وإن كان غير ذلك انشمروا [2] إلى بلادهم ، وخلَّوا بينكم وبين الرجل . » فأرسلوا إلى القوم : - « إنّا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهنا . » وتخاذل القوم . واتّهم بعضهم بعضا ، وذلك في زمن شات [3] وليال باردة كثيرة الرياح تطرح [4] أبنيتهم ، وتكفأ [5] قدورهم . وضاق ذرع القوم وبلغ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - اختلاف القوم وما هم فيه من الجهد . فدعا حذيفة بن اليمان ، فبعثه إليهم لينظر ما فعل القوم ليلا . فذهب حذيفة بن اليمان ، حتّى دخل في القوم . قال حذيفة : فذهبت فرأيت من الرياح أمرا هائلا لا يقرّ لهم نارا ولا بناء . فقام أبو سفيان ابن حرب ، فقال : - « يا معشر قريش ، لينظر امرؤ جليسه . » قال : فبادرت وأخذت بيد الرجل الذي إلى جانبي ، فقلت : « من أنت ؟ » قال : « أنا فلان بن فلان . » ثم قال أبو سفيان : - « إنكم يا قوم ما أصبحتم بدار مقام . لقد هلك الكراع [6] والخفّ ، وأخلفتنا [ 279 ] بنو قريظة ، وبلغنا عنهم ما نكره ، ولقينا من الجهد والشدّة وهذه الريح ما
[1] . وفي الأصل : « بنو قريظ » وما أثبتناه يوافق مط . [2] . مط : تشمّروا . [3] . شتا اليوم ، أو الشتاء : اشتدّ برده . [4] . مط : طرح . [5] . تكفأ : تقلب . [6] . الكراع : الخيل .