فالأكبر عائدة على جندنا ورعيّتنا . ونظرنا في سير آبائنا من لدن بشتاسف ، إلى ملك قباذ أقرب آبائنا منّا ، ثم لم نترك صلاحا في شيء إلَّا أخذناه ، ولا فسادا إلَّا أعرضنا عنه ، [ 206 ] ولم يدعنا إلى قبول ما لا خير فيه من السنن حبّ الآباء ، ولكنّا آثرنا حبّ الله وشكره وطاعته . « ولمّا فرغنا من النظر في سير آبائنا - وبدأنا بهم وكانوا أحقّ بذلك ، فلم ندع حقّا إلَّا أكثرناه ، ووجدنا الحقّ أقرب القرابة - نظرنا في سير أهل الروم والهند ، فاصطفينا محمودها ، وجعلنا عيار ذلك عقولنا ، وميّزناه بأحلامنا [1] ، فأخذنا من جميع ذلك ما زيّن سلطاننا ، وجعلناه سنّة وعادة ، ولم تنازعنا أنفسنا إلى ما تميل إليه أهواؤنا ، وأعلمناهم ذلك وأخبرناهم به ، وكتبنا إليهم بما كرهنا لهم من السير ونهيناهم عنه ، وتقدمنا إليهم فيه ، غير أنّا لم نكره أحدا على غير دينه وملَّته ولم نحسدهم ما قبلنا ، ولا مع ذلك أنفنا من تعلَّم ما عندهم ، فإنّ الإقرار بمعرفة الحق والعلم ، والإتّباع له ، من أعظم ما تزيّنت به الملوك ، ومن أعظم المضرّة على الملوك الأنفة من التعلَّم ، والحميّة من طلب العلم ، ولا يكون عالما من لا يتعلَّم . [ 207 ] « ولمّا استقصيت ما عند هاتين الأمّتين من حكمة التدبير والسياسة ، وصلت [2] بين مكارم أسلافى ، وما أحدثته برأيي ، وأخذت به نفسي ، وقبلته عن الملوك الذين لم يكونوا منّا وثبتّ على الأمر الذي نلت به الظفر والخير . ورفضت سائر الأمم ، لأنّى لم
[1] . جمع مفرده الحلم : العقل . [2] . في الأصل ومط : « ووصلت » بواو العطف . فحذفنا الواو لوجود « لما » في بداية الجملة .